قبل حوالى ربع قرن اشتغلت بإدارة الأزمات من الناحية الإعلامية، وأدين بالفضل فى ذلك للمرحوم الدكتور محمد رشاد الحملاوى، أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة عين شمس، هذه الجامعة العريقة التى كنت انتقلت حديثا للعمل بها كمدرس للصحافة والإعلام، والحقيقة أننى تعلمت من د. الحملاوى مبادئ إدارة الأزمات، وشجعنى على دراسة الجوانب الاتصالية والإعلامية فى الأزمات والكوارث.
اشتغلت مع د. الحملاوى، رائد دراسة الأزمات فى مصر، فى كتابة أول تقرير علمى عن إدارة الأزمات فى مصر والوطن العربى، صدر هذا التقرير عام 1998، وحمل اسمى إلى جانب د. الحملاوى، وكان حدثا كبيرا، لكن وكالعادة لم نستفد منه وقتها أو الآن!!.. لأن كل ما رصده التقرير عن أزماتنا وأسبابها يتكرر، وكأننا لا نتعلم من أزماتنا، والمدهش أيضا أن معظم ما أوصى به التقرير لم ير النور أو يعرف طريقه للتطبيق!!.
جالت هذه الذكريات والأفكار فى خاطرى وأنا أتابع الأحداث المأساوية التى يعيشها إخوانى المواطنون المسيحيون من سكان سيناء، حيث طالتهم تهديدات التنظيمات الإرهابية ذات الفكر الداعشى، ولم نتحرك رغم أن هذه التهديدات هى إشارات واضحة لأزمة قادمة فى هذه المنطقة الملتهبة التى تحارب فيها الدولة الإرهاب، ويفترض أن تكون مؤسسات الدولة قد درست كل سيناريوهات الخطر الإرهابى، وأعدت سيناريوهات لمواجهة كل خطر وكل أزمة.
لكن يبدو أن سيناريو تهديد ثم اغتيال بعض الإخوة المسيحيين لم يكن من ضمن السيناريوهات المتوقعة، وبالتالى لم تكن هناك خطة أو استعداد لمواجهته، من هنا جاءت إدارة الحكومة للأزمة عشوائية ومتخبطة، لأنها إدارة برد الفعل، وبالتالى وقعت أخطاء مثل عدم الاتفاق على وصف ما جرى، هل هو تهجير أم هجرة أم انتقال مؤقت؟ وهناك فروق واضحة بين التهجير والهجرة، فالأولى تعد عن وجود طرف يضغط أو يدفع البعض إلى الانتقال من مكان لمكان آخر، بينما تعكس الهجرة وجود إرادة ورغبة لمن يهاجر أو ينتقل من مكان لمكان.
وأنا شخصيا مع توصيف التهجير، لأنه يصف حقيقة ما جرى، ولا داعى لتجميل الواقع، ولا داعى أيضا للقول بأن الحكومة لم تطلب من بعض المسيحيين فى العريش مغادرة منازلهم، ومن غير المقبول أو المعقول أن تقول وزيرة لبعض الأسر المسيحية التى انتقلت إلى الإسماعيلية «اعتبروا أنفسكم فى رحلة»، أو أن يصف البعض ما يجرى بأنه مماثل لعملية تهجير سكان مدن القناة الثلاث أيام حرب الاستنزاف، أما أخطر التصريحات فهى الوعود الغامضة بعودة قريبة للأسر التى تركت العريش بدون تحديد لموعد أو شروط هذه العودة.
باختصار لم يكن لدى الحكومة ما يمكن وصفه بالإدارة العلمية للأزمة، صحيح أنه تم بذل جهود طيبة، وأن هناك فهما واضحا لخطورة ما جرى، لكن كل ذلك غير كاف لمواجهة تهديد الإرهاب لملف الوحدة الوطنية، ومحاولته التشكيك فى قوة وهيبة الدولة وقدرتها على حماية مواطنيها، سواء مسلمين أو مسيحيين، وهنا لابد من الحديث عن الجوانب الاتصالية أو الإعلامية لأزمة تهجير بعض أقباط سيناء، لأن ما حدث هو عملية إعلامية ودعائية بالدرجة الأولى، يقصد بها توفير مادة أو وقائع على الأرض، يمكن استغلالها إعلاميا ودعائيا للإساءة للنظام وللحكومة، وتصويرها على أنها غير قادرة على حماية مواطنيها، وهذا ما يجرى الآن تبنيه وبثه فى بعض وسائل الإعلام العربية والغربية.
والمؤكد أن سوء إدارة الحكومة للأزمة انعكس على الأداء الإعلامى، فمع بدايات التهجير لم يبادر إعلامنا بتقديم معلومات توضح ما حدث، وكيف ولماذا حدث؟ مما سمح بظهور شائعات، كما سُمح للإعلام الخارجى المعادى بتشويه الحقائق واستغلالها، وحتى اليوم لا نمتلك خطابا إعلاميا مقنعا يمكن أن نقنع به الرأى العام فى الداخل والخارج، وذلك رغم علمنا بأن ما يجرى هو محاولة يائسة وأخيرة من الإرهابيين للتغطية على هزائمهم، وحصار الجيش والشرطة لمعاقلهم الأخيرة فى سيناء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة