التسامح الحازم أقوى من التطرف والعنف، التسامح يبقى وينمو ويثمر حياة، بينما التطرف لا ينتج عنه سوى القتل والدم والكراهية والدمار والفناء، وإذا كان الإنسان بفطرته ساعيًا إلى عمارة الأرض وحماية وجوده عليها، فالتسامح بالنسبة إليه غريزة للبقاء ووسيلة لرد العدوان وردع العدميين المهوسين بالانتحار الجماعى.
وللتسامح الحازم عدة وجوه لابد وأن تتكامل وتتجاور حتى يتحقق بشكل كامل، ويستطيع هزيمة التطرف والعنف والكراهية وكل ما يعادى الإنسانية، فهو ليس فقط الصلاة من أجل الأعداء، وإن كانت الصلاة من أجلهم وسيلة لحماية النفس من التحول إلى التطرف والعدوى بالكراهية، بل يجب اقترانها بمواجهة جذور التطرف فى المجتمع، ومواجهة المتطرفين ببشاعتهم بالخديعة الكبرى التى عاشوا عليها وانتحروا من أجلها.
البطل فى هذه المعركة الرمزية التى تدور حاليًا فى العالم أجمع هو التسامح، هو كلمة السر الكاشفة لمعسكر العنصرية والعدوان، ربما يبدو لأول وهلة غير مرضٍ للمتحمسين المنفعلين، لكنه الجواد الرابح بشرط إدارة صراع التسامح بحزم يؤدى إلى حصر المتطرفين الجهلاء فى الزاوية التى تليق بهم، وتسليط الضوء عليهم وعلى ممارساتهم البغيضة، وهذا وحده كافٍ لأن يلفظهم العالم.
فكروا معى قليلًا، ماذا استفاد المتطرفون الذين اعتدوا على الأقباط فى العريش أو الذين يهاجمون رجال الجيش والشرطة من المسلمين من فعلهم المشين هذا؟ لا شىء إطلاقًا، لكنهم خسروا الكثير من التعاطف والاحترام وتم دمغهم بالتطرف والجهل والجنون والإساءة إلى المصريين جميعًا، بينما استفادت الدولة والمجتمع والأقباط والجيش والشرطة، لأنهم أثبتوا للعالم عبر أفعال المتطرفين أن العنف والهمجية وعدم قبول الآخر هى أفعال وممارسات لمجموعات من المرضى المهاويس لا يمكن أن تستمر أو يقبلها الأسوياء فى العالم.
هؤلاء المتطرفون يعلمون تمامًا أن وسائل الإعلام تنتظر ردود الأفعال الغاضبة أو المتهورة من الأطراف الأخرى فى المجتمع، كما يعلمون أن كثيرًا من الآذان لا تسمع الآن أصوات العقل، لأن الغضب والرغبة فى الانتقام يتسلطان على كثير من الناس ويفقدونهم الأمل فى الحياة.
معنى ذلك أن هناك ضرورة أن تتولى جهات التشريع وجهات إنفاذ القانون التصدى لكل أشكال الكراهية والتطرف بوضع القوانين التى تجرم تحقير الآخر أو الاستهانة به أو العدوان عليه، أو الاستهانة بمعتقداته ومنعه من ممارستها مادامت لا تحدث الضرر بالآخرين المختلفين معه، وحال شرعنا القوانين التى تؤكد على التسامح وتجرم الكراهية وطبقناها بحذافيرها، نستطيع تقديم خط الدفاع الأول لردع المتطرفين والكارهين بالقانون، وليحتفظوا بكراهيتهم فى أنفسهم حتى تنفجر بهم وتحرقهم.
ومعنى ذلك أيضًا أن نعلم أبناءنا فى المدارس والجامعات ومراكز الشباب وبيوت الثقافة ومن خلال وسائل الإعلام، أن التسامح وقبول الآخر المختلف هو وسيلتنا للعيش والاستمرار، كما نعلمهم ضرورة أن يرفضوا التطرف والتكفير والعنصرية دون أن يخافوا المتطرفين والتكفيريين والعنصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة