قد يظن بعض الأشقاء الليبيين أنهم ما زالت لديهم فسحة من الوقت للمراوغة والمماطلة وتعطيل جهود التسوية، طمعا فى تحقيق مكاسب سياسية أو فرض أمر واقع على بعض المناطق، اعتقادا بأنها قد تمنحهم ميزات تفضيلية فى المفاوضات، لكن المؤكد أن هذا الاعتقاد خاطئ وسيدفع الشعب الليبى نفسه ثمن هذه المغامرة التى لا تصب سوى فى مصلحة الفوضى ومن يستغلونها من تنظيمات متطرفة تريد استمرار حالة السيولة السياسية والانفلات الأمنى، لتظل الأراضى الليبية تحت سيطرتهم وفى قبضة ميليشياتهم المأجورة، وهو ما لا يرضى أبدا أى وطنى يخشى على بلاده من المصير الذى آلت اليه دول أخرى بالمنطقة.
والحقيقة أن الليبيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم لديهم الآن فرصة ذهبية وتاريخية لامتلاك زمام المبادرة وتحديد مستقبل بلادهم بأيديهم، لا بيد غيرهم، من خلال الجلوس على طاولة الحوار بغية الوصول إلى توافق يقطع الطريق على محاولات التدخل الخارجية التى لا تخفى نفسها بل تجاهر بكل بجاحة بمواقفها وأطماعها فى خيرات ليبي،ا دون النظر إلى المعاناة التى يعيشها شعبها العريق.
لقد أدركت القاهرة هذا مبكرا وبذلت على مدار الشهور الماضية جهودا مكثفة من خلال اللجنة الوطنية التى ترأسها الفريق محمود حجازى رئيس الأركان بهدف لم الشمل الليبى قبل فوات الأوان وإتاحة فرصة للحوار بين أبناء هذا البلد المنكوب، وتحقيق تسوية سياسية شاملة تجنبه كارثة محتملة، وعلى مدى أكثر من عشرة لقاءات معلنة مع الأطراف الليبية المختلفة والعديد من الاتصالات واللقاءات الأخرى نجحت اللجنة فى الوصول إلى توافق ليبى ليبى على أهم أسس المصالحة.
ورغم كثرة المبادرات المطروحة داخليا وإقليميا ودوليا تميزت الجهود المصرية بأنها الأحرص على أن يأتى الحل برؤية ليبية خالصة بعيدا عن أى إملاءات، بل ووفقا للثوابت الليبية التى وضعها الفرقاء أنفسهم وقبلوا بها، وقدمت مصر من جانبها كل ما يضمن للمفاوضات النجاح من تهيئة البيئة الشعبية الحاضنة والمساندة لها، أو الدعم الإقليمى والدولى لما تخرج به المناقشات، بل ووفرت كل ما طلبه الأشقاء من تسهيلات للمقيمين منهم بالقاهرة سواء فى إجراءات الدخول والخروج أو إنشاء مدرسة ليبية بالقاهرة أو منح التأشيرات وتلقى العلاج بالمستشفيات المصرية.
لكن كالعادة تدخل الراغبون فى إفساد أى مصالحات والغاضبون من الجهود المصرية المخلصة ليبيعوا الوهم لبعض الطامعين من التيارات الليبية المتنازعة ويصوروا لهم قدرتهم على تحقيق ما لم تنجح فيه القاهرة ، ورغم يقين جميع الليبين بأن ما يصعب على مصر يستحيل على غيرها، إلا أنهم ساروا وراء هذه الأوهام التى لن يجنو من ورائها إلا الخسائر.
المؤكد أن كل العقلاء من الليبيين يدركون أن أفضل السبل لعودة دولتهم هو المسار الذى بدأوه من القاهرة وأن استكماله والتمسك به هو السيناريو الأفضل لهزيمة مربع الفوضى المفروض عليهم، لأنه لا يليق ببلد كليبيا أن تصبح مرتعا لقوى إقليمية ودولية يفعلون فى أراضيها ما يشاءون، ولا يليق بشعب هذه الدولة العريقة أن يصبح مشتتا يعانى من التدهور الاقتصادى والمهانة المعيشية ودولته تمتلك ثروات ضخمة من النفط.
لكن يبقى أن يفهم هذا أيضا بعض الفرقاء السياسيين من أصحاب المصالح الضيقة، وهؤلاء يقينا إن ظلوا على هذا الإصرار فسوف يندمون عندما لا ينفع الندم.
وأعتقد أن الشعب الليبى المضار الأول هو الوحيد القادر الآن على إجبار هؤلاء الفرقاء وقادة التيارات والأطياف السياسية المختلفة على الجلوس للتسوية ، وإذا تحرك الشعب فسوف يغير المعادلة وسيضع الجميع أمام مسئولياتهم لإنقاذ وطنهم من الحرب الأهلية والانهيار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة