لا يوجد أى مبرر فى الدنيا لمجموعات الهمج التى طاردت فتاة الزقازيق فى شوارع منطقة القومية وسحلتها فى حالة من السعار الحيوانى والقسوة والوحشية، تتحرش بها وتنتهك مناطق العفة عندها وتسرق لمسات حرام، لماذا؟ سألت نفسى كثيرا فى محاولة للتفسير والإجابة عن المشهد المفزع، ما الذى يدفع هذه الجموع كلها للهجوم على فتاة وحيدة تسير فى الشارع وحيدة؟ بعضهم يقول إنها كانت ترتدى فستانا قصيرا يكشف عن مفاتنها، يا سلام! هل هذا مبرر لاجتماع الشباب حولها ومطاردتها بهذه الوضاعة والخسة؟ ألم يهزهم علامات الرعب على وجهها؟ ألم ينتبهوا لدموعها؟ ألم تتحرك ضمائرهم وهى تصرخ من الخوف؟ ألم يدركوا أنهم لن يحصلوا على أى متعة أو لذة من اغتصاب لمسة أو احتكاك بجسدها «الفريسة»؟
الفتاة الوحيدة، تصادف أنها كانت عائدة من مناسبة اجتماعية ما وتصورت أن المسافة لمنزلها قربية ويمكن قطعها سيرا على الأقدام؟ هل ذنبها أنها راهنت على الأمن والأمان فى شوارعنا؟ هل ذنبها أنها اعتمدت على نخوة الرجال واحترام الخصوصية؟
الحقيقة الناصعة، لا ذنب إطلاقا للفتاة وكل الذنوب والخطايا تغرقنا، نحن جميع الرجال المصريين، من شهد الحادث ومن لم يشهده، من سمع به ومن لم يسمع، من يعيش فى الشرقية أو يعيش فى الإسكندرية وحلايب والقاهرة والبحر الأحمر، كلنا مذنبون مدانون، يا ضيعة الرجولة والنخوة والشهامة، يا للعار الذى يجللنا ولا نستطيع محوه إلا بأن نحمل جميعا أكفاننا ونجثو تحت قدمى هذه الفتاة البريئة، ربما تصفح عنا أو تأمر بعقابنا حسبما تشاء!
لم نكن نحتاج إلا لمثل حادث الزقازيق البشع لنعرف أن سرطان التحرش قد ضرب أخلاقنا قبل أن ينتشر فى شوارعنا، وأصبح الصبية والمراهقون والشباب بعيدين كل البعد عن أى وازع من دين أو أخلاق أو شهامة، بعد أن انهار على مدى السنوات الماضية جهازنا المناعى وخرجت عدة أجيال لا توقر الكبير ولا تحترم المعلم ولا تحتفظ بميراث أولاد البلد من صيانة النساء وحمايتهن، بل استحلال السرقة والنهب والكذب وحتى العمالة، وأصبحت الخطايا السابقة بقدرة قادر تحمل أسماء جديدة، فى زمن فقدت فيه المصطلحات والأسماء معانيها، فالاعتداء على الآخرين أصبح «سيطرة» والتحرش والاغتصاب تحولا من الفجور والإجرام إلى التسلية والروشنة، والعمالة أصبحت «نشاطا»، والسرقة أصبحت «شطارة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة