فى فصل الاعتراف السلبى، أو ما يطلق عليه فصل المحاكمة، من كتاب «الخروج فى النهار»، وهو الكتاب الذى يمثل الأدب الجنائزى الفرعونى، ويسرد دفاع المصريين عن أنفسهم أمام محكمة العدل الإلهية بعد الممات، وظهر فى الفترة ما بين الأسرة الثامنة عشرة وحتى الأسرة 26، من التاريخ الفرعونى، تكتشف كم كان المصريون رائعين، رغم أن تلك الفترة لم تكن هناك ديانات سماوية، ومع ذلك كان المصرى القديم على درجة عالية من الضمير، والقيم الأخلاقية، والتدين الفطرى، وسجل دفاعه عن نفسه فى العالم الآخر على ورق بردى فى كتاب «الخروج فى النهار».
وسنختار جزءا من دفاع المصرى القديم عن نفسه يوم الحساب فى العالم الآخر، وهذا الجزء تم ترجمته من النصوص المسجلة على جدران مقبرة «حور خوف» بأسوان، وتحديدا فيما يسمى مقابر «قبة الهوا»، وهى مقابر منحوتة فى الصخر لنبلاء وكبار العمال للدولة الوسطى.
يقول النص:
التحيات لك أيها الرب العظيم، رب العدل المطلق..
جئتك سيدى وجىء بى لمشاهدة كمالك..
أنا أعرفك وأعرف الآلهة الاثنين والأربعين..
الذين معك فى ساحة العدل المطلق..
الذين يتعيشون على أصحاب السوء ويتغذون على دمائهم.
لم أقتل إنسانا
لم أحرض على القتل
لم أعذب أحدا
لم أتسبب فى بكاء أحد
لم أكن عدوانيا
لم أنشر الخوف
لم أقتل حيوانا
لم أتجسس على الآخر
لم أمارس الزنا
لم أسرق طعاما
لم أكذب
هذا الجزء الصغير من نص كبير للغاية مسجل على جدران المقبرة، إنما يعبر عن ضمير حى، وتدين فطرى، وقيم أخلاقية، قبل أن تدشنها الكتب السماوية بمئات السنين، ومع ذلك تجد القرضاوى وبرهامى والحوينى وكل قيادات الإخوان والجماعات المتطرفة، يكفرون الفراعنة ويهددون بتدمير تراثهم من آثار خالدة متمثلة فى الأهرامات وأبوالهول والمعابد والمقابر والمسلات.
الفراعنة كانوا لديهم وازع دينى فطرى، وضمير أخلاقى، لا يتقربون إلى الله بتقديم قرابين أشلاء أجساد العباد، فى دور العبادة، أثناء وقوفهم بين يدى الله، مثلما يصنع المتدثرون بعباءة الدين الإسلامى، من الإخوان الإرهابيين والتكفيريين.
أى دين هذا الذى يتقرب أتباعه إلى الله بتقديم أشلاء أجساد العباد متفجرة كقرابين يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى الذى حرم قتل النفس؟ أى دين هؤلاء الذين يروعون الآمنين ويثيرون الذعر فى قلوب الأطفال والنساء والكبار؟ أى دين هؤلاء الذين يتآمرون مع الخونة لإسقاط بلاد الإسلام ويتركون دولة الكفر والإلحاد «إسرائيل» تعيش فى نعيم؟
أى دين هؤلاء الذين يهدمون المساجد والكنائس التى يذكر فيها اسم الله، ولا يتوجهون بطلقة واحدة تجاه إسرائيل لتحرير بيت المقدس، فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب سلم القدس حرة عزيزة شامخة، للمسلمين، ولم يستطع المسلمين الحفاظ عليها، فجاء صلاح الدين الأيوبى على رأس جيش مصرى، وحررها، ثم جاءت إسرائيل لتحتلها، وتسيطر عليها، وتمنع المسلمين من دخولها.
وجاءت التنظيمات والجماعات، من الإخوان لتنظيم القاعدة لداعش وجبهة النصرة، وغيرها من الجماعات التكفيرية، ومنحوا أنفسهم الحق الحصرى لاحتكار «الإسلام» يتحدثون باسمه، ويكفرون ما يشاءون، ويمنحون صكوك الغفران ودخول الجنة لمن يشاءون، فى عملية تشويه للدين الحنيف هى الأكبر من نوعها منذ هبوط الرسالة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه التنظيمات، نذرت أنفسها للجهاد فى بلاد الإسلام، تقتل المسلمين وتفجر المساجد التى يرفع فيها اسم الله، وتسفك دماء الأقباط وتفجر كنائسهم تحت شعار الجهاد فى الوقت الذى تركت فيه كل أعداء الإسلام، يعيشون فى أمن واستقرار، وتقدم، وتزداد قدراتهم العسكرية، وتمددهم الاستعمارى.
وها هى إسرائيل تحتل القدس من نصف قرن، ولم تطلق جماعة أنصار بيت المقدس أو داعش أو الإخوان، طلقة واحدة تجاه الصهاينة، رغم أن جماعة الإخوان الإرهابية صدعت رؤوسنا بشعارات الكذب والخداع والمتاجرة السياسية، قبل ثورة 25 يناير 2011، «على القدس رايحين شهداء بالملايين» وعندما وصلوا للحكم، وجدناهم يرتمون فى أحضان أمريكا وإسرائيل، ووصف قادتها بالأصدقاء الأعزاء.
جماعة الإخوان، وذيولها داعش وأنصار بيت المقدس وجبهة النصرة، والقاعدة، تعمل على هدم بلاد الإسلام، وتقسيمها، وتقزيم دورها، وانهيار اقتصادها، وهو ما يصب فى مصلحة إسرائيل، وكل أعداء الإسلام.
جماعات الإرهاب والتكفير، دستورها القتل والسفك والتفجير والتدمير، والجهاد فى بلاد الإسلام، والصمت والوداعة أمام أعداء الدين الحنيف، والتحالف معهم، «رافعين شعار نتقرب إلى الله بتقديم أشلاء أجساد الأبرياء كقرابين»، دون الوضع فى الاعتبار إذا كانت هذه الأشلاء خاصة بأجساد الأطفال والنساء والكبار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة