"حمدان" الخطاط، شاب سيناوى قرر قهر البطالة بتعلم حرفة فن الخط العربى، لتصبح صنعته ومصدر أكل عيشه، بدأها فى قريته البعيدة عن العمران مستخدما أحبار تقليدية كانت تُسْتَخْدَم فى الماضى، وهى خليط من أحجار وصخور مطحونة وزيت الزيتون، أمام إصراره على إتقان مهنة عشقها، ليلتحق بمدرسة متخصصة، أهلته لأن يصبح من بين الخطاطين المعروفين فى شمال سيناء.
حكايته مع الخط
روى حمدان سليم سالمان عيد لـ"اليوم السابع" حكايته مع الخط العربى من داخل منزل بسيط من منازل العريش القديمة، مسقوف بالخشب يتخذه بيتا له وأسرته، وفى أحد أركانه يقضى ساعات الليل منكبًا على لوحات يرسمها بعد عناء عمل طوال النهار فى مكتب للخطوط يعمل به.
وقال "حمدان" إنه جاء لمدينة العريش قادما من "القريعة" إحدى قرى مركز الشيخ زويد، وهى القرية التى لم تقف إمكانياتها المحدودة أمام بزوغ موهبته منذ الصغر فى رسم الخطوط واللوحات، لإخراج فن يعشقه واكتشفه مدرس اللغة العربية فى مدرسته أثناء دراسته الابتدائية وأخبر والده بذلك، مطالبًا الاهتمام بموهبته.
وأضاف: "كانت لدىَّ طاقة وقدرة رسم الصور بشكل كاريكاتورى من أوراق صحف تتطاير فى الصحراء، وأرسمها على صفحات دفاتر المدرسة".
أحبار من الصخور
وأوضح: "قرأت عن استخدامات الصخور كأحبار، وطبقتها فى قريتى ليس لأجل التجربة، ولكن لأن القرية بها دكان واحد كنت أحيانا لا أجد فيه علبة ألوان اشتريها، وما كان منى إلا أن أجمع حصى وصخور بألوان مختلفةا، وطحنها وخلطهاا، ولإخراج مادة ألوان قوية".
وتابع قائلاً: "أفتخر إنى تعلمت اللغة العربية ورسم الخطوط حرف حرف، لأنه لم يكن هناك من يعلمنى، وأدركت أن مجال الخطوط واسع، ولكن تعليمها ظل يراوددنى حتى بعد أن أنهيت الحصول على شهادة متوسطة من أقرب مدرسة لقريتنا.. وبعد أن علمت بوجود مدرسة للخط العربى فى مدينة العريش؛ حرصت على دخولها، وكانت المفاجأة اجتيازى اختبار القبول بامتياز، ثم عامين من الدراسة بتقدير امتياز أيضًا".
عشرات اللوحات
وبعد رحلة البحث عن العلم بدأ فى تنفيذ ما كان يطمح إليه من خلال "الخط"، ونَفَّذَ عشرات اللوحات، أهدى بعضها لأصدقائه، واحتفظ بالأخرى لنفسه، مستخدما فيها الخطوط العربية بأنواعها، وإن كان يميل للخط الديوانى كما يقول، ويحاول أن يوظف التراث السيناوى فيها، فهو يميل لرسم منحنيات تمثل "دلة القهوة السيناوية" إلى جانب مخطوطات من جميل القول، والآيات القرآنية، وهو ينفذ هذه اللوحات فى مرسمه الخاص بمنزله ليلاً، بعد أن يعود من عمله فى أحد المكاتب الخاصة بالخطوط والإعلانات فى مدينة العريش.
وقال إن ما توقف عنده هو ما كان يستخدمه فى طفولته من أحبار من فتات الصخور.. حيث عاد لإحضار صخور من قريته بألوان مختلفة واستخدمها كأحبار بعد أن تبين له أنه تفوق على الأحبار الصناعية فى السوق.
حبر الزيتون
وأضاف أن المفاجئة له هى حبر الزيتون، والذى تبين أنه الأقوى ويدوم بحالته وجودته، ويستخدمه فى بعض أعماله بعد تحضيره يدويًا دلت أن زيت الزيتون من أجود أنواع الحبر، لافتا إلى أن المستخدم هو الفتات من مخلفات بذر الزيتون بعد عصرها، حيث يتم تحميصه بشكل مناسب، وخلطه بالصمغ العربى، ثم إخضاعه لعملية تجميد لعدة أيام، واستخدامه كحبر، ويتميز أن لونه أسود قاتم ولامع، يدوم لعمر طويل.
وأكد أنه لا يخشى "الكمبيوتر"، ولا يعتبره يؤثر أو ينافس الخطاط، فلا زال الخطاط المتمكن هو من يمتع جمهوره بفن رسم الأحرف، معتبرًا الخطاط خضر البورسعيدى مثله الأعلى، ويتمنى أن يصل لعلم الخطاط المصرى إبراهيم الحداد، الذى أجاد رسم وتخطيط المصحف الشريف.
وأعرب عن أمنيته أن يتمكن أكثر من فن الخط، ويقدم خدمة لوطنه ودياره، وأن تتاح له فرصة عرض لوحاته فى معرض متخصص فى القاهرة، ليطلع عليها رواد فن الخط فى العاصمة.
وأبدى عتبه الشديد على وزارة التربية والتعليم لإهمالها تدريس الخط العربى، متساءلاً: "لماذا لا تكون هناك مادة إجبارية لها معلميها؟، خاصة بالخط حتى لا ينقرض معلم الخط والخطاط".
الخطاط حمدان
فى مرسمة
اثناء عمله
الخط حرفه
من اعماله
من خطوطه
فى منزله البسيط
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة