أكرم القصاص - علا الشافعي

يوسف أيوب

ضحكات سودانية فى المسائل السياسية الجادة

الخميس، 13 أبريل 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأمر المضحك فى قرار حكومة السودان فرض تأشيرات دخول على المصريين، ما قاله وزير خارجية الخرطوم، إبراهيم الغندور، بأن القرار يهدف إلى «منع تسلل الإرهاب»، وكأن مصر الدولة التى تصدر الإرهاب والإرهابيين للسودان، وكأن السودان برىء.
 
التصريح المنسوب لوزير الخارجية السودانى يكشف عن ازدواجية تسيطر على عقول صناع القرار فى الخرطوم، فمن الواضح أنهم يعيشون أوهاماً لا علاقة لها بالواقع، وإلا ما سمعنا مثل هذا التصريح الصادر عن رأس الدبلوماسية السودانية، وعن شخص يدرك تمام الإدراك أنه لا يقول الحقيقة، بل يحاول الالتفاف حولها، فإذا افترضنا الصدق فى أن التأشيرة لمنع تدفق الإرهابيين المصريين، ترى ما هو موقف الإرهابيين الموجودين هناك الآن؟.. هل سيسلمونهم لنا أم سيبقونهم ليستفيدوا منهم؟
 
من حق السودان كدولة ذات سيادة أن تتخذ ما تراه من قرارات وإجراءات، لكن ليس من حقه أن يسوق لنا الأكاذيب الباطلة، وكأنها الحقيقة المطلقة، وهو أمر اعتدنا عليه من أشقائنا فى الخرطوم منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن، فهم يتعاملون معنا بوجهين، واحد ظاهره الرحمة، والثانى يخفى الكثير من الضغائن تجاه مصر والمصريين، دون سبب واضح أو مقنع.
 
أمثلة كثيرة يمكن أن نسوقها للتدليل على ما أقوله، فقد احتضنت الخرطوم العديد من القيادات الإخوانية الهاربة التى كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية فى مصر، ورغم أن الأسماء معروفة بل إن بعض هذه الأسماء كانت تظهر على الملأ وتعلن أنها مقيمة حالياً على الأراضى السودانية، ورغم ذلك يردد الأشقاء فى السودان أنه لا وجود لأى إخوانى مطلوب فى مصر على الأراضى السودانية.
 
منذ ثورة 30 يونيو اتخذت مصر موقفاً جديداً تجاه السودان، وتناست الموقف السودانى من الثورة المصرية، وقررت القاهرة أن تفتح صفحة جديدة، وكانت أول زيارة لوزير الخارجية المصرى وقتها نبيل فهمى خارج مصر إلى الخرطوم، كما زارها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى بداية توليه الحكم، وزار الخرطوم أكثر من مرة، وحرص فى كل قمة أن يلتقى الرئيس السودانى عمر البشير، ووضعت مصر خطة للتواصل مع الخرطوم فى العديد من الملفات الثنائية والإقليمية، ومن بينها ملف سد النهضة الإثيوبى، والوضع فى جنوب السودان، ورغم كل محاولات التهدئة التى بذلتها مصر، إلا أن رد الفعل جاء مختلفاً من السودان الذى أظهر لإثيوبيا تأييده الكامل لسد النهضة، بل إن البشير وعددا من وزرائه لم يتوانوا فى توجيه التهديد المباشر لمصر من على الأراضى الإثيوبية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الخرطوم خرجت عن النهج الذى كان من المفترض أن يحكم علاقتها مع دولة شقيقة مثل مصر، ووجه رئيسها البشير الاتهام للقاهرة بأنها تدعم حكومة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر، بل إنه ظهر متناقضاً مع ذاته كالعادة حينما قال فى حديث صحفى منذ شهر تقريباً إن هناك مؤسسات مصرية تتعامل مع السودان بعدائية، رغم قوله فى نفس الحديث إن علاقته مع الرئيس السيسى جيدة.
 
فتحت مصر بابا جديدا مع الخرطوم، لكن الأخيرة قررت أن تسير على نهجها الخاص بها، فأطلقت العنان لإعلامها لتوجيه إساءات متتالية لمصر والمصريين، وأعادت حكومة البشير مرة أخرى فتح ملف حلايب وشلاتين، رغم إدراكها الكامل أن هذا الملف مغلق تماماً، وأن المثلث هو مصرى %100، لكن البشير وحكومته دائماً ما يلجأون إلى هذا الملف للتغطية على فشل داخلى أو أزمة يواجهها نظام الإنقاذ.
 
فتحت مصر علاقة جديدة مع الخرطوم لكن الأخيرة ردت بحملة شعواء على المنتجات المصرية، واتهمتها بأنها مصابة وتسبب أمراضا سرطانية لمن يتناولها، واتخذت حكومة البشير قرارها الغريب بمنع استيراد المنتجات الزراعية المصرية، وأضافت إليه قراراً جديداً منذ شهر تقريباً بمنع استيراد المنتجات الصناعية التى تعتمد على المحاصيل الزراعية المصرية، دون أى دليل واحد ملموس، فحتى الآن لم تعلن الخرطوم عن نتائج الفحوصات المعملية التى أجرتها للمنتجات المصرية، والأغلب أنها لن تعلنها، لأنها لا تريد للحقيقة أن تظهر.
 
الواقع يقول إننا أمام سلسلة طويلة من الإجراءات الإيجابية التى اتخذتها مصر تجاه أشقائها فى السودان، لكن فى المقابل وجدنا تعنتا غير مبرر من حكومة البشير، التى تتصرف بمنطق غريب جداً، منطق شراء أعداء جدد، فالخرطوم محاطة بجيران افتعلت معهم جميعاً المشاكل والأزمات، ولم يتبقَ لها سوى مصر، والآن تشترى الخرطوم معاداة مصر، دون سبب واضح.
 
بعض المهتمين بالعلاقات المصرية السودانية ألمحوا إلى أن المواقف السودانية الأخيرة تجاه مصر، مرتبطة بالتوتر الحاصل بين مصر والسعودية، فالبشير أراد مجاملة الرياض على حساب مصر، على أمل أن ينال رضا السعودية ومع الرضا مساعدات ومعونات عسكرية واقتصادية تساعده فى مواجهته مع المعارضة السودانية التى ضاقت ذرعاً بتصرفات الحكومة الهوجاء.
 
تحليل منطقى أذا ما ربطناه بمجريات الأحداث، وأيضاً التصرفات السودانية التى اختارت السير عكس التيار بعد نشوب التوتر السياسى والدبلوماسى بين القاهرة والرياض، بما يشير إلى أن البشير أراد تقديم السبت للسعودية منتظراً منهم الأحد.
 
وبعيداً عن هذا التحليل ومجريات الأحداث أيضاً، فالأمر المؤكد أن حكومة البشير اختارت الطريق الخطأ مع مصر، فمثل هذه القرارات أو الإجراءات او التصريحات المضحكة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تؤثر على الدولة المصرية ولا الشعب المصرى، ومن الأفضل لحكومة الخرطوم أن تنتبه جيداً لمشاكلها وأزماتها الداخلية بدلاً من البحث عن شراء عداوات جديدة أو التعامل بمنطق الحماوات، فهذا المنطق والأسلوب غريب ولا يتناسب مطلقاً للتعامل بين الدول، خاصة الأشقاء، وطالما اختارت حكومة البشير هذا الأسلوب فأنها تتحمل مسؤولية هذا الاختيار، الذى سيضر بها حتماً أكثر ضرر أتوقعه للسودان، ولكنى لا أتمناه فى نفس الوقت، أنه سيدفع ثمن تحوله إلى دولة مستعدة لبيع نفسها وأبنائها لمن يدفع لها أكثر، حتى إن كان على حساب أرواح مواطنيها، وأعتقد أن المعنى واضح ولا يحتاج لشرح أكبر، فما تفعله حكومة البشير الآن أكبر من أن يتحمله السودان.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة