ارتفع الذهب إلى أعلى مستوى فى 5 أشهر اليوم الخميس، بحسب الخبر الذى نشرته وكالة الأنباء العالمية "رويترز"، وذلك بسبب التوترات المتزايدة بشأن العلاقات الأمريكية مع روسيا وكوريا الشمالية، فيما انخفض الدولار الأمريكى بفعل تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأن العملة أقوى مما ينبغى.
أول أمس هبط الدولار إلى أدنى مستوى له أمام الين اليابانى فى 5 أشهر، بسبب التوترات السياسية والقلق والمخاوف بشأن سوريا وكوريا الشمالية والانتخابات الرئاسية فى فرنسا، وفى الأسبوع الفائت أعطى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأمر بتوجيه ضربات جوية على سوريا، بسبب ما أعلنه باستخدام النظام السورى أسلحة كيميائية محظورة، بعدها بساعات قليلة كانت وكالات الأنباء العالمية تتناقل تأثير الضربة الأمريكية على أسعار العملات والنفط والذهب وعلى بورصات العالم.
إلى أى مدى يتأثر الاقتصاد بالأحداث السياسية والاقتصادية العالمية؟
لكن إلى أى مدى تتأثر السياسات الاقتصادية بالأحداث العالمية سواء الاقتصادية أو السياسية، ولماذا يغرق الجميع فى حالة من "عدم اليقين" فى ظل ما يشهده العالم من صراعات مشحونة بالتوتر والدم والقلق.
الإجابة على هذا السؤال تنقلنا إلى بضعة أشهر مضت، إذ فاز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، تزامنا مع التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وشهد الاقتصاد العالمى، تأثرا وترقبا لتغير السياسات الأمريكية مع مجيئ رئيس جديد من خارج المؤسسة التقليدية يرفع شعار "أمريكا أولا"، ولا يأبه بتأثير قراراته على مجريات الأمور فى العالم.
وتدل المقولة الشهيرة التى تتردد كثيرا: "عندما تعطس أمريكا يصاب العالم بالزكام"، على مدى تأثير الاقتصاد العالمى، بخطط الرئيس الأمريكى الذى يدعو دائما وأبدا إلى "الحمائية"، ويهاجم الاتفاقات التجارية ويخطط لرفع الجمارك وخفض الضرائب، وهو ما دفع صندوق النقد الدولى إلى الإشارة فى تقريره الصادر 16 يناير الماضى – قبل أيام من تولى ترامب- إلى أن الاقتصاد العالمى فى "مشهد تحول"، وإلى الإشارة إلى أن توقعات تحسن النشاط الاقتصادى فى مرحلة "عدم يقين" ترقبا لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة وتأثيراتها عالميا.
ما قبل "ترامب" لا يشابه ما بعده
العالم الآن انتقل إلى مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها ما بعد "ترامب"، وبالتأكيد هذه المرحلة لا تشابه ما قبلها أبدا، فمنذ دخوله "البيت الأبيض" يناير الماضى، ولا تسير الأمور "اقتصاديا" وفق المنطق السائد، تأثرا بـ"شخص ترامب" وصخبه، بالإضافة للمتغيرات العالمية التى صاحبت وصوله، وبات واضحا أن سنوات حكمه ستشهد مزيدا من التحوّلات والتقلبات فى الاقتصاد العالمى.
وطوال نحو 3 أشهر، تتأثر أسعار النفط والسلع والبورصات بالقرارات المتتالية التى يتخذها الرئيس الأمريكى أو التغريدات اليومية له على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، سواء بالسلب أو الإيجاب، حتى إنه فى 31 يناير الماضى خلال أول 10 أيام من ولايته خسرت أكبر 5 شركات تكنولوجيا بأمريكا 32 مليار دولار بسبب مخاوف المستثمرين من سياساته فى ملف الهجرة.
لماذا خالفت الأسواق توقعات تأثير رفع سعر الفائدة فى مارس الماضى؟
وفى منتصف الشهر الماضى، قرر البنك الفيدرالى الأمريكى، رفع سعر الفائدة 25 نقطة، وتلاه مباشرة قرار من دول الخليج برفع سعر الفائدة ربع نقطة، لتلافى تأثيرات رفع سعر الفائدة الأمريكى..
وانتظرت الأسواق مزيدا من قوة الدولار وانخفاض أسعار النفط والذهب والسلع، طبقا للقاعدة العامة الثابثة فى السوق، بأنه مع ارتفاع الدولار وقوته، فإنه ينخفض سعر الذهب وباقى المعادن والسلع المقومة بالدولار وفى مقدمتها النفط، خاصة مع ارتفاع الدولار لأعلى مستوياته منذ 14 عاما، وهو ما يعنى أن سعر السلع أكثر تكلفة، مما يؤدى لتراجعها.
إلا أن العكس هو ما شهدته الاسواق العالمية، حيث تراجع الدولار عالميا رغم مرور أقل من شهر على قرار رفع سعر الفائدة، ورغم حالة الترقب لرفعها مرتين أخريين قبل نهاية 2017.. الذهب أيضا ارتفع سعره أكثر من 70 دولار خلال هذه المدة القصيرة حيث يسجل اليوم 1276 دولار للأوقية، رغم أن تقرير البنك الدولى لأسعار الذهب خلال 2017، أظهر أن المعدن النفيس لن يكون وعاء آمنا هذا العام، حيث خفض توقعاته للأسعار إلى 1150 دولاراً للأوقية نتيجة لتوقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وارتفاع قيمة الدولار.
باختصار.. حالة "عدم اليقين" التى تصاحب السياسات الأمريكية، فى ظل وجود رئيس يحاول تنفيذ تعهداته التى انتخبه المواطنون لأجلها وعلى رأسها خفض الضرائب واتخاذ إجراءات "حمائية" ومنع المهاجرين، تؤثر على كل ما يحدث فى العالم اقتصاديا.. أيضا بسبب ما يحدث فى أوروبا بما فى ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، والدعاوى فى عدة دول لخروجها أيضا.
لكن بات واضحا بشكل كبير، أن القواعد والتوقعات التى كان "مسلما" بها فى الماضى، لن يكون لها نفس التأثير خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكى ترامب.
ما مدى سيطرة البلدان خارج الولايات المتحدة على سياساتها الاقتصادية؟
التقرير الذى نشر على "مدونة صندوق النقد الدولى" وأعده سليم إليكداغ نائب رئيس قسم الاستقرار المالى بالصندوق، وغاستون جيلوس المدير المساعد بإدارة الأسواق النقدية والرأسمالية بالصندوق، يقول إن هناك سؤالا يفرض نفسه مع توقع قيام الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بزيادة أخرى فى أسعار الفائدة، وهو: ما مدى سيطرة البلدان خارج الولايات المتحدة على سياساتها الاقتصادية فى نظام مالى عالمى يتسم بالاندماج المتزايد؟.
ويوضح أنه أكثر من مجرد سؤال أكاديمى بالنسبة لصناع السياسات حول العالم، فمصدر قلقهم هو ذلك التأثير الكبير للأحداث العالمية على الأسواق المالية والذى لا يترك لهم سوى مجال ضيق لتحقيق أهدافهم، مثل التشغيل الكامل أو التضخم المنخفض.
ويشير التقرير إلى أن قرار الاحتياطى الفيدرالى برفع أسعار الفائدة يزيد من عائدات الأصول الأمريكية، مما يجذب رأس المال من البلدان الأخرى، ونتيجة لذلك، قد ترتفع أسعار الفائدة فى تلك البلدان، مما يزيد من صعوبة حصول المستهلكين والشركات على الائتمان اللازم لشراء مزيد من السلع أو الاستثمار فى ماكينات جديدة، وأن هذا يشكل تطورا غير مرغوب فى أى بلد يسعى للحفاظ على انخفاض تكاليف الاقتراض من أجل مكافحة البطالة أو دعم النمو الاقتصادى، مثلاً.
الأحداث العالمية تشكل الأوضاع المحلية بين البلدان بنسبة تتراوح بين 20% و 40%
وتوضح مؤشرات "صندوق النقد الدولى" أن الأحداث العالمية تشكل الأوضاع المحلية بين البلدان بنسبة تتراوح بين 20% و 40%، مما يترك لصناع السياسات مساحة واسعة للتحرك، وأنه رغم زيادة اندماج الأسواق المالية، فإن سيطرة البلدان على أوضاعها المحلية لم تقل إلا بدرجة طفيفة على مدار العقدين الماضيين.
لكن يشير إلى أنه مع ذلك، فإن السرعة الكبيرة والقوة البالغة التى غالبا ما يتسم بها تأثير الصدمات المالية الخارجية على الأسواق المحلية تجعلان من الصعب على صناع السياسات اتخاذ إجراءات لمواجهتها فى الوقت المناسب وبصورة فعالة.
ويوضح أنه تبدو الولايات المتحدة عامل دفع قوى للأوضاع العالمية، وهو ما يرجع فى جانب منه إلى كون الدولار العملة الأساسية فى المعاملات الدولية، ونجد أن مؤشر الأوضاع المالية العالمية يرتبط ارتباطا قويا بالأوضاع المالية فى الولايات المتحدة وبمؤشر تقلب بورصة شيكاغو لعقود الخيار، أو مؤشر VIX، وهو مقياس للمخاطر المتصورة للأسهم الأمريكية.
ويوجه التقرير نصائح للاسواق الصاعدة بأنه ينبغى عليها، وهى أكثر حساسية للأوضاع العالمية مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، أن تتخذ خطوات لتعزيز صلابتها فى مواجهة الصدمات العالمية، وينبغى لها أن تعمق أسواقها المالية المحلية وتنشئ قاعدة للمستثمرين المحليين، مما يجعل أسواقها أقل حساسية للتقلبات فى تدفقات الأموال عبر الحدود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة