تتجلى وحشية الجماعات الإرهابية عندما يفجر أحد عناصرها نفسه بالقرب من كنيسة، أو عندما يستهدفون رجال الأمن بخسة ونذالة، معتبرين ذلك جهادا فى سبيل الله، الأمر الذى يجعلك تتساءل من الذى أقنع هذه العناصر الإرهابية بأن تفخيخ النفس والتفجير هى عبادات تفيد ولا تضر، وما هى أول جماعة ابتكرت ما يسمى بارتداء الحزام الناسف وتفجيره بالقرب من الهدف أيا كان هذا الهدف "جامع أو كنيسة"، وهل تنظيم داعش الذى أعلن مسئوليته عن تفجير كنيستى "طنطا والإسكندرية" هو من ابتدع فكرة تفجير النفس؟
بالبحث البسيط وبدون عناء على المواقع الإلكترونية، تجد فتوى لـ"يوسف القرضاوى" مٌنظر جماعة الإخوان يجيز فيها العمليات الانتحارية.
يقول "القرضاوى" فى الفتوى التحريضية، ردا على سؤال حول حكم التفجيرات فى تجمعات النظام وسقوط المدنيين ضحايا للعمليات الإرهابية، نصا : "الأصل فى هذه الأمور أنها لا تجوز إلا بتدبير جماعى، إنما التفجير فلابد أن تكون الجماعة هى التى ترى أنها فى حاجة إلى هذا الأمر، وإذا رأت الجماعة أنها فى حاجة إلى من يفجر نفسه فى الآخرين ويكون هذا أمرا مطلوبا وتدبر الجماعة كيف يفعل هذا بأقل الخسائر الممكنة وإذا استطاع أن ينجو بنفسه فليفعل، إنما لا يترك هذا الأمر للأفراد وحدهم".
وتابع: "لا يصح لفرد أن يتصرف بمفرده ويقوم بتفجير نفسه فى الآخرين ولازم يتصرف فى حدود ما تريده الجماعة ويسلم نفسه للجماعة، والجماعة هى التى تصرف الأفراد حسب حاجاتها وحسب المطالب إنما لا يتصرف الأفراد وحدهم".
وبجانب فتوى "القرضاوى" السابقة أجزم خبراء وباحثون فى شئون حركات التيار الإسلامى، أن جماعة الإخوان هى من ابتكرت تفجير النفس، بينما تنظيم داعش هو الذى طور هذا الأمر.
يقول أحمد عطا المتخصص فى شئون الحركات المسلحة:"جماعة الإخوان لها تاريخ إجرامي من العمليات المسلحة - فهي أول جماعة انتهكت حرمة الإنسانية تحت مظلة حاكمية سيد قطب ، في نفس السياق فإن التاريخ خير شاهد على مطالبة حسن البنا بحمل السلاح والخروج على الحاكم وله مقولة مشهورة " ليس بعد المجادلة والبيان إلا الحديث أو الجهاد" ولهذا نجد ان أول تنظيم سري على حمل السلاح من عناصر جماعة الإخوان وقع في جبل المقطم عام 1948 ، وكان بحوزتهم 165 قنبلة ومجموعة من الأسلحة وهذه المجموعة كان يتزعمها سيد فايز".
ويضيف "عطا": في نفس عام 1948 قامت مجموعة مسلحة من عناصر جماعة الإخوان بإشعال النيران في حارة اليهود ، كما تم اغتيال المستشار أحمد بك الخازندار عندما أصدر حكماً قاسياً على أحد عناصر الجماعة ، في نفس العام أيضاً تم تفجير محلات شيكوريل واركوا وهما مملوكان لتجار يهود - بالإضافة إلى حادثة العربية الجيب والتي كانت بها متفجرات وأسلحة - وتم العثور علي وثائق تدين "البنا" نفسه وتم القبض على مسئول العمليات المسلحة وقتها مصطفى مشهور الذي أصبح فيما بعد مرشدا للجماعة - ولذلك أسرع مرشد الجماعة حسن الهضيبي بتأليف كتاب "دعاة لا قضاة" عام ١٩٦٩ ليتنصل من منهجية العنف التي رسخها سيد قطب في كتابه "معالم على الطريق".
ويشير إلى أن أعمال العنف تصاعدت فى جامعة القاهرة وتحديدا في كلية الطب، بعد سيطرة عناصر جماعة الإخوان على الجامعة عام ١٩٤٨ ونتيجة التشابك العنيف بين البوليس وعناصر الإخوان ترتب على هذا اغتيال حكمدار العاصمة اللواء سليم زكي - الذي أصبح نجله فيما بعد مديرا لمكافحة المخدرات اللواء ممدوح سليم زكي، ولا ننسي عندما خرج البنا يطالب أتباعه بالخروج على الملك فاروق في مظاهرة ضخمة رافعين المصاحف في ميدان الأوبرا، "يا إما يغلق الملك المواخير وَيَا إما سيكون الجهاد هو السبيل للخروج علي الحاكم"، وكان لليهود أصحاب الديانة المقيمين في القاهرة نصيباً كبيرا من عمليات القتل والحرق من جماعة الإخوان رداً على حرب فلسطين بتعليمات من البنا - ولم يستطع يفرق البنا بين المشروع الصهيونى الاستيطانى وبين أصحاب الديانة اليهودية من الشعب اليهودى الذين هم بعيدون كل البعد عن مشروع بن جوريون الاستيطانى".
بينما يقول هشام النجار الباحث فى شئون حركات التيار الإسلامى :"لم تعد هناك فوارق كبيرة بين فصائل الإسلام السياسي والجهادي بعد انخراط الجميع في مسارات العنف والمواجهة الشاملة بعد إسقاط حكم الإخوان".
ويضيف :" وتم توظيف فتاوى مشايخ الإخوان في إسباغ البعد الديني والشرعي على العنف ضد الدولة والخصوم السياسيين وأطلقت فتاوى لرموز الإخوان وحلفائهم مثل القرضاوى وأكرم كساب وعصام تليمة ووجدى غنيم وسلامة عبد القوى ومحمد عبد المقصود وغيرهم تبيح الاغتيالات والتفجير والعمليات الانتحارية، فضلا عن أن الإخوان تاريخيا هي صاحبة السبق في القيام بمثل تلك العمليات منذ نشاطات النظام الخاص القديم، وهو ما تجدد مع النظام الخاص الحالي وخلاياه التى تم استحداثها تحت عنوان اللجان النوعية والتأسيس الثالث".
وأضاف :"على سبيل المثال جاء في مذكرات قادة النظام الخاص القديم شرح واف لكيفية شراء الأسلحة والذخيرة وتخزينها وكيفية تصنيع المتفجرات وكيفية رصد الهدف ومتابعته والتخطيط لاستهدافه .. وبذلك أصبحت الجماعة مرجعا في العمل التنظيمي والحركي والعسكري كما هي مرجعية فكرية لهذا التيار من خلال سيد قطب، وكذلك مرجعية فقهية تصدر الفتاوى الجاهزة للإرهابيين من خلال يوسف القرضاوى وتلامذته".
وبالنسبة لفكرة إجازة الدعاة لتفجير النفس، يقول الدكتور أسامة العبد رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، أن إجازة تفجير النفس تخرج عن إطار الشريعة الإسلامية التى تأمر بحفظ النفس، حيث قال الله سبحانه وتعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" وهذا نص قرآنى لا يحتاج لتفسير على الإطلاق.
ويضيف "العبد" فى تصريح لـ" اليوم السابع" أن فتوى القرضاوى غير مقبولة وكيف يتم السماح بالقتل والتفجير فى إنسان سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، موضحا أن الرسول قال إن" الآدمى بنيان الرب وملعون من هدم بنيان الرب"، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية لا تعرف الإرهاب والتطرف والعنف وبريئة من هذا الفعل وممن يفعله.