بعد أن قدمنا في مقالات سابقة موضوع الدعم النقدى والعينى، يجب ونحن بصدد كيفية توزيع منافع النفقات العامة فى مصر بين أفراد المجتمع من ضرورة تحديد الفرق بين نوعين من النفقات العامة وهما النفقات التي تعطي منافع غير قابلة للانقسام (مثال الدفاع الوطني)، والنفقات التي تعطي منافع قابلة للانقسام " مثل التعليم والصحة".
واليوم نفرد هذا المقال لتوضح حصة كل فرد من أفراد الشعب من النفقات العامة التي تعطي منافع قابلة للانقسام.
ونقصد هنا النفقات التحويلية وهى تلك النوع من النفقات التي تعطي بلا مقابل ، وعلى ذلك فإنها تدخل ، على اختلاف أنواعها (تحويلات مباشرة وغير مباشرة) ضمن النفقات التي تعطي منافع قابلة للانقسام على أفراد الشعب. وحيث إن النفقات التحويلية تقسم من الناحية الفنية إلى ثلاثة أنواع وهي النفقات التحويلية الاجتماعية ، والاقتصادية ، والمالية (فوائد الدين العام واستهلاكه).سوف نناقش هنا كيفية توزيع منافع الأولى والثانية ونترك الثالثة إلى حديث أخر (حيث إنها ذات طبيعة فنية مختلفة .( ..
فتجد أولاً أن الاعانات الاجتماعية تنسب إلى الذين دفعت لهم ، وهم عادة من أصحاب الدخول المنخفضة والفقراء ، مقابل أغراض معينة ، ويمكن تقسيم هؤلاء المستفيدين إلى عدة فئات تبعاً لمستوى دخولهم . ثانياً ؛ الاعانات الاقتصادية التي تعطي لبعض المشروعات بغرض رفع معدل ربحها لبعض الفئات الاجتماعية ، تجري هي الأخرى نسبتها تبعاً لحجم الانتاج الذي تقدم به هذه المشروعات . وهذا النوع الثاني من الاعانات الاقتصادية والتي تعطي للمشروعات وغرض تخفيض اسعارها (أو تثبتها) هي تحويلات غير مباشرة ، وإن دفعت للمنتج ، إلا انها تشكل إعانة للمستهلك الذي يشتري السلع المعانة ( اى المدعمة) بسعر يقل عن التكلفة ، وعلى ذلك فإن الإفادة من هذه الاعانات لا تحدث إلا في حالات شراء السلع المعانة. ويمكن نسبتها إلى الكمية الكلية من السلع التي يشتريها الفرد محل تلك الاعانات الاقتصادية. ويوجد نوع ثالث من الاعانات الاقتصادية أيضاً ، وهي ما تعرف بالإعانات المالية ، وهي تلك الاعانات التي تقدمها الدولة للمشروعات ذات النفع العام ، والتي تكون في حالة عجز بغرض تغطية, اى بعبارة اخرى تمويل هذا العجز. وينتج عن هذا النوع الثالث من الاعانات نفس الأثر الذي ترتب على النوع الثاني ، حيث ينتهي الأمر إلى تخفيض أثمان السلع المنتجة ، ويصب ذلك في صالح المشتري ( اى المستهلك). وحيث ان المستهلك هو الذي يقوم بشراء هذه السلع , فذلك يؤكد أن الاعانات المالية هي الأخرى نوعاً من التحويلات غير المباشرة للمستهلكين ، إن أحسن تطبيقها.
وفي العموم تؤدي كل الاعانات التي تهدف إلى تخفيض أسعار المنتجات، إلى تخفيض نفقات المعيشة والى تفادي ارتفاع الأجور وما يترتب عليه من حلقة التضخم المعيبة ( ارتفاع أسعار – ارتفاع أجور – ارتفاع أسعار مرة أخرى ) . وعليه تكون الرقابة الحكومية لهذه الإعانات مطلوبة بشدة وحزم عند التطبيق فى الأسواق، حتى تنخفض الأثمان بقدر الإعانة ، وإلا سوف تقسم الاعانة بين المنتج والمستهلك ، وتشكل تحويل مباشر للمنتج وتحويل غير مباشر للمستهلك. وينتهي الأمر أن القسمة تفيد نفراً على حساب نفراً أخر, لتفيد المنتج اكثر من المستهلك. وحيث إن القياس من الصعوبة بما كان ، لذلك من الممكن أن نخص الاعانة التي تمنح للسلع الغذائية على أن نحدد نصيب كل فئة اجتماعية تبعاً لعدد الأفراد الداخليين في هذه الفئة. وذلك لأن المواد الغذائية المعانة عادة ما تكون من السلع الضرورية التي يستهلكها كل الفئات محدودة الدخل ، وكذلك الملابس المعانة تنسب لنفس الفئات لأنها ملابس شعبية او اقتصادية، وإن كان هذا الأمر لا يخلو من الطعن عليه , لأن هذه السلع المدعمة متاحة للجميع المنع لا يأتي إلا في حدود ضيقة جداً.
وأخيراً ما تقدمه النفقات العامة الحقيقية من توزيع خدمات مجانية قابلة للانقسام ، ومثل ذلك التعليم والعلاج بالمجان. ويمكن القول فيما يخص نفقات التعليم العالي بأن أصحاب الدخول المتوسطة وفوق المتوسطة والمرتفعة ، هم أكثر المستفيدين منهما . أما أصحاب الدخول المنخفضة فلا يستفيدون من هذا النوع من نفقات التعليم العالي ، إلا في حدود ضيقة. في حين نفقات العلاج بالمجان ، فنجد أن أصحاب الدخول المنخفضة والفقراء هم أكثر المستفيدين منها.
وبعد هذا التوضيح يظل السؤال المحير ، قسمة السلع المعانة او المدعمة على من ؟ ومن هم أكثر المستفيدين في مصر من السلع والخدمات العامة القابلة للانقسام (الأغنياء أم الفقراء)؟!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة