يتذكر البطل محمد مهران زيارة الرئيس جمال عبدالناصر له فى المستشفى بعد عودته من قبرص، وارتكاب الإنجليز جريمة اقتلاع عينيه قائلًا: «لاحظت أن الاهتمام أكثر من المعتاد من حيث كمية الزهور وترتيب الحجرة، وبعد فترة سمعت دربكة شديدة فسألت: مين؟، وسمعت صوتًا مميزًا جدًا يقول: أنا.. أنا يا بطل، وفوجئت بأنه جمال عبدالناصر شخصيًا، وفى هذه اللحظة شعرت بأن بصرى قد عاد إلىّ، وشعرت بأننى قد أخذت ثمن التعذيب الذى تعرضت له، وصرخت من الفرحة: مين.. جمال عبدالناصر، فتقدم وعانقنى، ورحت أقبله بشدة وبفرح، وطلب منى أن أسلم على اللواء عبدالحكيم عامر، وزير الحربية، وسلمت أيضًا على بعض قيادات الثورة، ثم جلس عبدالناصر إلى جانبى على السرير، وطلب أن أحكى له كل ما حدث».
حكى «مهران» كل ما حدث له بأمانة، بما فى ذلك مطالب الإنجليز له بسب جمال عبدالناصر، وقولهم له: «اقتلاع عينيك سيكون عبرة للمصريين»، وكان عبدالناصر يستمع إليه باهتمام بالغ، وقال له: «الإنجليز أخطأوا كثيرًا، هم اقتلعوا عينيك لا لتكون عبرة، ولكن لتكون قدوة لكل الأحرار فى العالم، فكل الأحرار سيرون وحشية الاستعمار فى اقتلاع عين بطل يدافع عن وطنه، ولذلك فلن يسمح أى حر فى العالم لأى مستعمر بأن يدنس أرض وطنه.. يا مهران أنت حرمت جنود الاحتلال من أشياء كثيرة»، ثم أضاف عبدالناصر بود: «أنت ابنى، وأنت ترى بعيون مصر كلها، ولن تبخل مصر بعلاجك فى أى مكان فى العالم».
نشرت الصحف لقاء الرئيس بالبطل، وفى نفس يوم الزيارة جاء المذيعان فهمى عمر وسعيد لبيب لإجراء أول حديث إذاعى مع «مهران»، ولما عاد إلى بورسعيد بعد رحيل الإنجليز وفشل العدوان الثلاثى، استقبله الناس استقبال الفاتحين: «أصبح من العسير أن أمشى فى الشوارع، ففى كل شارع يلتف الناس حولى، وكأنهم فى مظاهرة، وأصبحت موجودًا لمدة عام كامل فى العديد من الحوارات بالصحف والإذاعة». وفى الوقت نفسه لم تنقطع لقاءاته مع جمال عبدالناصر: «كنت أزوره عن طريق نورالدين فرغل الذى كان أمينًا لرئاسة الجمهورية، وعن طريق صلاح الشاهد، وأيضًا محمد حجازى، كبير التشريفات، وكان الثلاثة يرتبون لى كل شىء، فإذا كان الرئيس فى البيت يتصلون بسكرتيره الخاص محمد أحمد، المهم أننى كنت التقى الرئيس فى قصر الرئاسة أو فى بيته بمنشية البكرى».
استجاب عبدالناصر لطلب «مهران» بإقامة متحف حربى فى بورسعيد، وكلف عبدالحكيم عامر بذلك. ويتذكر «مهران» أن اللواء حامد أحمد صالح جاء إلى بورسعيد ومعه لجنة فى أوائل عام 1964، واجتمعت بكل أبطال المقاومة الشعبية التى شاركت فى مقاومة العدوان الثلاثى، وفى ديسمبر من العام نفسه تم افتتاح المتحف فى عيد النصر، الذى كان يحتفل به كل عام يوم 23 ديسمبر، وتم تعيين «مهران» مديرًا للمتحف، ثم وافق الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية، وكانت تربطه به علاقة قوية، على طلبه بأن يعفيه من المسؤوليات الإدارية ليصبح محاضرًا فقط للزوار. وفى محاضراته، ظل «مهران» يشرح قصته وقصة أبطال المقاومة الشعبية فى بورسعيد دفاعًا عن الأرض. ويتحسر «مهران» على أنه وبعد رحيل عبدالناصر وتولى السادات بدأت ستائر النسيان تنزل على هؤلاء الأبطال، وبالرغم من ذلك لم يندم على ما قدمه، ويقول كلمة لها ألف دلالة، هى: «كل أبطال بورسعيد كانوا من الموظفين محدودى الدخل».
فلندعُ جميعًا لمحمد مهران بالشفاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة