من فنونهم فى القتل أن يقتحموا مستشفيات الأمراض العقلية، ويوزعوا على المرضى النفسيين ملابس العيد، ويلبسوهم أحزمة ناسفة ويطلقوهم فى الأسواق، ثم يفجروهم بالريموت كنترول فى التجمعات المزدحمة، وحدث ذلك بالعراق عشرات المرات.. والأكثر بشاعة ما كان يرتكبه سفاح داعش محمد الموازى قبل قتله، حيث كان يربط ضحاياه من أرجلهم وأقدامهم، فى شوايات الخراف ويشعل تحتهم نارا هادئة، ويقطع أوصالهم وهم أحياء بسكين حاد، وسط صيحات وصراخ أتباعه ومؤيديه، ثم ينصرف منتشيا فى موكبه الأسود، تاركا القتيل المشوه لأهله وذويه.
لن أحدثكم عن لعب كرة القدم برؤوس القتلى، ولا عن ضرب ضحاياهم المربوطين فى الأعمدة بدانة مدفعية، ولا عن رمى البشر الأحياء من أعلى البنايات، ولا عن تقطيع الأيادى والأرجل وترك أصحابها ينزفون حتى الموت، ولا عن جرّ النساء بالسلاسل وبيعهن فى أسواق النخاسة والعبيد، ولا عن ربط الرجال من رقابهم بسلاسل حديدية، وتجريسهم بين الناس فى الأسواق.. ولا عن، ولا عن.. فأعمالهم تقطر دما ووحشية تفوق أشرس حيوانات الغابة.
فإذا لم يكن هؤلاء كفارا، فمن إذن هم الكفار، وكيف نقدم لهم مبررات وأسانيد دينية، حتى تنتشر أفكارهم الدموية، وتقتحم حقول المغيبين فيقتنعوا بأن أحزمة الديناميت التى تفتت عظام ضحاياهم وتمزق أجسادهم هى تذكرة دخول الجنة؟
هذا هو خلافنا مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، دون أن تتحول القضية إلى مبارزة سياسية بين فريقين، ظاهرها الدفاع عن الإمام وباطنها أشياء أخرى.
المسألة أبسط من ذلك بكثير، ونحن نريد الإمام الأكبر مقاتلا فى الحق، ورافعا راية الوسطية والاعتدال والوعى والتنوير، بصحيح الإسلام وليس بتوظيفه فى أغراض بعيدة عن مقاصده ومراميه، وبالعودة إلى رسالته الأساسية التى قال عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وليس من مصلحة أحد الهجوم على فضيلة الإمام أو النيل من مكانته الرفيعة، فالأزهر هو المنارة ومناشدة الإمام دعوة خير تستهدف أن تكون رسالته سياجا يحمى المجتمع، ويصون وحدته وتماسكه وتراحمه، وينشر بين ربوعه تعاليم االتسامح والسلام والإخاء والرحمة، ومن يحمينا يا فضيلة الإمام الأكبر من أفكار داعش البربرية، إذا لم يتصدر الأزهر الصفوف؟
فى بلدنا يا فضيلة الإمام الأكبر تلال من الفتاوى الضالة، وطوابير من حراس الجهل والخرافات الذين يتخفون تحت عبادة دينية والدين منهم برىء، وتركوا مشاكل المجتمع وهمومه وأوجاعه، وانصرفوا إلى ما يخدم مصالحهم ويشبع رغباتهم.
الجهل ينتشر، وإظلام العقول يسود، والأيدى الخفية تحاول جذب الوطن إلى القرون الوسطى، إلى عصور الجلادين والسيافين وحملة السياط، وفى قضايا المرأة، على سبيل المثال، هم يجترون زمن غرف الجوارى وسبايا الحروب، ويهينون المرأة ويستبيحون كرامتها وجسدها وعقلها، بينما يعظّم الإسلام شأنها ويرفع كرامتها، أما فتاوى الجهل فلا ترى فيها إلا وعاء لرغباتهم، فيشغلون الناس بتأويلات الدخول بالصغيرات، بينما مشكلة المجتمع الأساسية هى العنوسة والطلاق، وليس إبداع العقل لإيجاد مبررات دينية، تسمح لعجوز خرف، أن يستمتع بفتاة صغيرة فى عمر حفيداته، ويدفن مستقبلها فى قبر ينتظره على بعد خطوات قليلة.
فى بلدنا يا فضيلة الإمام الأكبر إرهابى فجر نفسه على بوابة كنيسة الإسكندرية، فكيف طاوعته أصابعه التى داست على الزناد، فتخلص من حياته وحياة آخرين، بينما أفضل شىء فى الحياة هو الحياة نفسها؟ ومن الذى أرسله إلى الموت، وكيف مسح عقله ومحا نعمة التفكير التى منحها الله للبشر، وأعاد تعبئته بأفكار خاطئة حول الجنة التى تنتظره، وحور العين اللائى سينعم بهن، وفضيلتكم أعلم منى بالقصص والحكايات التى ينسجها خيال كهنة التكفير، فيرسلون أولاد الناس إلى الموت، ويرسلون أولادهم إلى أوروبا وأمريكا، ليتعلموا من الأجانب الكفار، وكثيرا ما يتزوجون بناتهم ويستمتعون بالهدوء الذى يحرموننا منه.
وفى بلدنا يا فضيلة الإمام قضايا كثيرة توجع القلوب وتؤرق العقول، وتعلمون فضيلتكم أن رجال الدين هم الحراس الذين يشغلون المساحة الواقعة بين الحلال والحرام، فيذهب الناس إليهم بحثا عن هداية الضمير وطمأنينة الدين، فى زمن اختلط فيه الحلال بالحرام، فاتسعت المساحة الواقعة بينهما، ولا ينبغى أبدا تركها تحت سيطرة المتطرفين، الذين يسممون الأفكار ويعبثون بالعقول، وإذا لم تملأ فضيلتكم وعلماء الأزهر الإجلاء هذا الفراغ، فمن يقوم بهذا الدور؟
دعنا فضيلة الإمام من الجدل التاريخى حول تجديد الخطاب الدينى، الذين أرهق الأمة منذ مئات السنين، ويبدو أنه مثل سلك كهربائى عار يهدد من يقترب منه، وسبق أن ارتفعت اتهامات التكفير فى وجه من حاول أن يُعمل عقله فى هذه القضية، مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وعلى عبدالرازق وغيرهم، أنه التكفير الذى يحصن الأزهر داعش منه، ولتكن رسالة منبرنا الأزهرى الدينى الوسطى الرائع، هى تحديد أجندة القضايا والهموم التى تمس حياتنا وتهدد مستقبلنا، وأن يرسم الأزهر خارطة الخروج منها، وفقا لصحيح الدين وتمشيا مع قضايا العصر.
ليس الهدف فضيلتكم أن ينقسم الإعلاميون فريق مع الإمام وفريق ضده، أو تفسير الأمور بأنها هجوم على الأزهر يخدم داعش وأمثالها، ولا تحميل الأشياء أكثر من حجمها، فالوطن فى معركة بقاء، ويحتاج دعما دينيا حقيقيا لا يبتغى إلا وجه الله، ويعلى راية الحق والسلام.