قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، فى كلمته بمؤتمر "دور المؤسسات الدينية فى عمليات بناء السلام والحوار"، الذى تنظمه دار الفتوى اللبنانية، إن الوسطية والاعتدال والفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، وعدم التفريط فى الثوابت المتفق عليها، تمثل السمات الأساسية فى المنهج الأزهرى، لافتا إلى أن العالم الإسلامى يمر بمرحلة من أخطر مراحله التاريخية، وعلى شعوب المنطقة، مسلمين ومسيحيين، إدراك أننا إما أن نكون أو لا نكون، لأنه إذا دخل أحد بيننا فلن نكون.
وأضاف "شومان"، أن مواقف الأزهر ودوره لا يقبلان المزايدة، فالأزهر الشريف أسبق المؤسسات على الإطلاق فى استشعار الأخطار، وأكثرها عملا لوحدة الصف ولم الشمل، وعلى المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية العمل مع الأزهر فى إطار خطاب هادف يناسب العصر، ويدعم جهود المؤسسات الأمنية والعسكرية لتوفير الأمن وبسط السلام.
وتابع وكيل الأزهر كلمته، قائلاً: "حرمة الكنائس كحرمة المساجد سواء بسواء، ولا علاقة بين الهجمات الإرهابية والمناهج التعليمية، وإن كان تطويرها الدائم مطلوبا لمواكبة العصر وتحدياته، ولا يعقل أن تؤثر مناهج الأزهر فى غير دارسيها لانتهاج العنف، بينما أكثر من مائة دولة تدرسها ولم يفجر واحد منهم نفسه، لا فى مصر ولا خارجها، فمنذ أكثر من ألف عام والأزهر الشريف منارة للعلم وقِبلة طالبيه من شتى بقاع المعمورة، وهو قلعة المعرفة الوسطية المعتدلة التى لا تعرف الغلو ولا الشطط، ولا تتلون بألوان الطيف السياسى، وفى رحابه حطت وفود الشرق والغرب تنهل من معين منهجه الرائق فى فهم علوم الدين، وفى أروقته تعلم الملوك والسلاطين، وفى جامعته تخرج كثير من الرؤساء والوزراء والسفراء والمفكرين، ومن صحنه انطلقت الثورات، ومن على منبره وُجِّهت، وبقيادة علمائه ومشاركة طلابه لطوائف الشعب، مسلمين ومسيحيين، انكسرت قوى الطغيان، وتحطمت أحلام الغزاة، وتحت قبابه مد العلماء أرجلهم غير طامعين فى مال ولا منصب ولا جاه، وبين الترغيب والترهيب أدوا رسالتهم السامية جيلًا بعد جيل.
وأضاف عباس شومان، أننا نحتاج لخطاب فكرى جديد يعى الفرق بين التجديد والتبديد، ويدرك خطورة المرحلة، ويعلى المصلحة العامة على المصالح الخاصة أو الانتماءات السياسية أو الفكرية، والحقيقة التى لا مراء فيها أن الأزهر الشريف يؤمن إيمانًا لا لبس فيه ولا غموض، بمسألة التجديد فى الفكر الإسلامى، مراعاة للزمان والمكان وأحوال الناس وما يستجد فى حياتهم، ولا غَرو فى ذلك؛ فقد استمرت مسيرة التجديد فى الفكر الإسلامى، ابتداء من عصر النبوة، مرورًا بزمن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى العصر الحديث، وستستمر هذه المسيرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فهذه سنة الله فى الكون، وهى قاعدة مسلَّم بها فى نصوص صريحة، وحقيقة تاريخية ثابتة، وضرورة تقتضيها مستجدات العصر، وهو ما جعل الإسلام الدين الصالح لكل زمان ومكان.
واستطرد وكيل الأزهر فى كملته: "التجاهل غير المفهوم وغير المبرر لجهود الأزهر الشريف على المستويات كافة، خاصة فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها بلادنا، بل ويمر بها العالم أجمع، لن يجدى نفعًا إلا للمتربصين والمغرضين؛ فلا شك أن هذه الجهود الحثيثة لن تؤتى ثمارها المرجوة إلا إذا وصلت إلى أكبر عدد من الناس من خلال تسليط المؤسسات الإعلامية والصحفية الضوء عليها كما ينبغى، فلعل كلمة طيبة أو تصحيحًا لمفهوم أو توضيحًا لحكم شرعى، يغير مسار شخص مغرر به من كونه قنبلة قابلة للانفجار، إلى عنصر صالح فى المجتمع، ومن المؤسف، بل من المحزن حقًّا، أن نرى هجومًا ممنهجًا على الأزهر وقياداته، ومن الظلم البين اتهام الأزهر وعلمائه بالتقصير وعدم تحمل مسؤولياتهم، فضلًا عن رد أسباب التطرف والإرهاب إلى مناهجه، وكأن سقوط هذه المؤسسة وتحطيم رمزيتها وإضعاف هيبة علمائها لدى مسلمى الداخل والخارج، أصبح هدفًا لبعض أصحاب المصالح والأهواء".
وأضاف الدكتور عباس شومان فى ختام كلمته، أن الجهود الحثيثة المبذولة لتجديد الخطاب الدينى لن تؤتى ثمارها المنشودة، إلا إذا صَحِبَها فى التوقيت نفسِه، وفى خط متوازٍ معها خطابٌ إعلامى وثقافى وفنى بنَّاء غير هدام، خطابٌ يعى الفرق بين التجديد والتبديد، خطابٌ يدرك خطورة المرحلة ويعلى المصلحة العامة على المصالح الخاصة أو الانتماءات السياسية أو الفكرية، خطاب يقدم الفكر الدينى وفق فهم الأزهر الشريف ومنهجه، ويعمل على مساندته وإظهاره للناس، فمن خلال تضافر جهود المؤسسات المعنية والعمل معًا وفق استراتيجية واضحة، يتحد فيها الخطاب الدينى، والخطاب الإعلامى، والخطاب الثقافى، والخطاب الفنى المتمثل فى الأعمال الفنية الهادفة؛ يمكن عندئذٍ أن تحدثَ ثورةٌ دينية وأخلاقيةٌ شاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة