** قضايا الإرهاب والحل النهائى للقضية الفلسطينية والوضع فى سوريا وليبيا واليمن على طاولة المباحثات
فارق كبير بين زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الحالية للعاصمة الأمريكية لواشنطن، وزيارات أخرى لنفس العاصمة من رؤساء مصر السابقين على مدى عقود ماضية، أو حتى من قادة عرب حلوا ضيوفاً على البيت الأبيض بعد أن جلس على كرسيه، الجمهورى دونالد ترامب فى العشرين من يناير الماضى. يكمن الفارق فى الأهداف والاستراتيجيات وطبيعة العلاقات أيضاً، فقد اعتدنا جميعاً على جملة حفظناها وهى أن «العلاقات المصرية الأمريكية تمر بمرحلة برود دبلوماسى»، وآخرون كانوا يفضلون القول أن مصر لم تكن مستقلة سياسياً فى علاقاتها السابقة مع واشنطن، لكن هذه المرة الوضع يبدو مختلفاً من جميع النواحى، فمصر ليست تابعة لأحد، بل اختارت لنفسها طريقاً مستقلاً لا ترتهن فيه بأحد، تقيم علاقاتها مع الكبار بواقع الندية وليبس التبعية، وفتحت أبوابها للتصادق مع الجميع، مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، وروسيا والصين والبرازيل والهند، ولم تترك علاقتها بدولة رهينة بموافقة دولة أخرى.
لم تسلم مصر رايتها ولا قراراتها لواشنطن، بل إنها أعلنتها صريحة للجميع، أن المصالح العليا للدولة المصرية يجب بل لابد أن تكون محل اعتبار من الجميع، فلا تنازل مهما كانت الضغوط، وبالفعل مارست واشنطن فى الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما كل أشكال الضغوطات على مصر لتقبل بأن تعود مرة أخرى إلى الدائرة الأمريكية، لكن المفاجأة كانت أن مصر لم تخضع لأحد، رغم أن الضغوط بلغت درجة من القسوة لا يمكن لأى دولة أن تتحملها، لكن تحملتها مصر، وتحملها المصريين، لأن القضية كانت تتعلق بالكرامة والإرادة المصرية.
جاءت إدارة ترامب الجديدة إلى البيت الأبيض وهى مقتنعة بأن مصر تغيرت، ويجب أن تحظى بمعاملة مختلفة عن تلك التى كان يسير عليها أوباما التى كلفته الكثير، كلفته على أقل تقدير أنه فقد أهم بوصلة لإعادة التوازن فى المنطقة، وهى مصر، حتى وإن ألقى بثقله على دول أخرى، لكنها لم تكن بنفس القيمة التاريخية والاستراتيجية لدولة مثل مصر.
جاء ترامب وفى عقله الكثير من المعلومات عن مصر وأدارتها الجديدة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبات أكثر اقتناعا أن التعاون يجب أن يكون هو السائد وليس الخلاف، لذلك كان تركيزه منذ البداية، حينما كان فى مرحلة الترشيح أن ينفتح على القاهرة ورئيسها، وجاء لقاء ترامب والرئيس السيسى فى العشرين من مارس الماضى، خلال وجود الرئيس السيسى فى نيويورك للمشاركة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ليشيد جسراً من التواصل الدائم بين الاثنين، فقد ظهر التلاقى فى الأفكار حول الكثير من القضايا والهموم المشتركة، وعلى رأسها العلاقات الثنائية التى شهدت توتراً ملحوظاً، وكذلك قضية الإرهاب التى تسبب أرقاً شديداً لكل الحكومات الغربية وفى مقدمتها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأمريكية.
كان متوقعاً منذ البداية أن يكون الرئيس السيسى أول قائد عربى أو شرق أوسطى يزور البيت الأبيض بعد وصول ترامب للحكم، لكن الزيارة لم تتم وفقاً لتلك التوقعات، والسبب كان واضحاً لمن يريد أن يفهم مسار السياسات المصرية فى العهد الجديد، فالقاهرة كما قلت قبل ذلك لا تبحث عن الظهور الإعلامى أو «اللقطة»، لكنها مهتمة بالنتائج، لذلك لم يكن مستغرباً أن يسبق الزيارة ولقاء القمة بين السيسى وترامب، عدد كبير من الاجتماعات واللقاءات على كل المستويات فى البلدين للترتيب للقمة، والموضوعات المطروحة للنقاش، والاقتراب من الوصول إلى الصيغ الممكنة المقبولة فى القاهرة وواشنطن، فالمسعى النهائى للجانبان أن يتحقق النجاح، ليس النجاح الإعلامى، لكن النجاح على أرض الواقع.
نجاح القمة سيكون مرهونا بالقضايا الثنائية، فعلى مستوى العلاقات الثنائية تجرى القمة وفى الخلفية قرار أوباما فى 2013 بتجميد جزئى للمساعدة العسكرية الأمريكية لمصر، عقاباً للمصريين على خلعهم نظام الإخوان، ورغم أن أوباما عاد فى مارس 2015 وألغى هذا التجميد، وتبعها فى أغسطس فى العام نفسه بإعلان استئناف الشراكة الإستراتيجية مع مصر، إلا أن ذلك لم يخفف من حدة التوتر فى العلاقات بين البلدين، فإدارة أوباما لم تنسَ للمصريين أنهم ثاروا على الإخوان، وكانت تريد معاقبتهم، وحتى الرمق الأخير حاول أوباما ورجاله كثيراً ضد مصر، لكن لم تفلح أيا من هذه التحركات، إلى أن جاءت إدارة ترامب لتختار طريقاً جديدا فى التعامل مع القاهرة.
الطريق الجديد يمر بطريق ملىء بالصعوبات خاصة فى ظل وجود تيار أمريكى لا يريد التعاون مع مصر فى الوقت الراهن، ويضعون أمام ترامب الكثير من العراقيل، ليس آخرها تقرير الخارجية الأمريكية عن الحريات فى مصر الذى جاء منافياً تماماً للواقع، كما لا ننسى أن ترامب يواجه وضعاً داخلياً حساساً، من خلال العديد من الأزمات المتلاحقة، آخرها تحطم مشروعه لإصلاح النظام الصحى عندما أفشل نواب جمهوريون جهوده لإلغاء نظام «أوباماكير» الصحى، وقبلها وبعد أسبوع فقط على تنصيبه، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا يمنع المسافرين من سبع دول غالبية مواطنيها من المسلمين، إضافة إلى جميع اللاجئين من دخول الولايات المتحدة لفترة معينة، وأحدث القرار الذى تم الكشف عنه دون إنذار مسبق فوضى ولغطا وأثار الغضب حول العالم، إلى أن علقت محكمة فدرالية فى ولاية واشنطن العمل به، معتبرة أنه ينتهك الدستور الأمريكى الذى يمنع التمييز على أساس الدين، فيما شكل أول نكسة مهينة لترامب.
وبعدما أيدت محكمة الاستئناف فى سان فرنسيسكو تعليق العمل بالمرسوم، أصدرت إدارة ترامب قرار حظر جديد اعتبرت أنه أكثر التزاما بالقانون، ونص المرسوم الجديد على إغلاق حدود الولايات المتحدة أمام مواطنى إيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن لمدة 90 يوما، وأمام جميع اللاجئين لمدة 120 يوما. وعلى خلاف الحظر الأول، استثنى العراق من الصيغة المعدلة للقرار.
كما أن إدارته لا تزال موقفاً لا تحسد عليه، فمنذ أن اتخذت وكالات الاستخبارات الأمريكية خطوة غير مسبوقة العام الماضى عبر اتهام روسيا علنا بمحاولة التدخل بنتائج الانتخابات التى جرت فى نوفمبر لصالح ترامب، تزايدت الأسئلة حول ما إذا كان بعض أفراد حملته الانتخابية قد تعاونوا مع موسكو، وهناك أربعة تحقيقات على الأقل تجريها لجان فى الكونجرس للنظر فى مسألة التدخل الروسى فى الانتخابات، آخرها مع صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر الذى سيمثل أمام لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ فى سياق تحقيقها فى قضية تدخل روسيا فى الانتخابات، وهى القضية التى أخذت بعداً جديداً حينما أعلن البيت الأبيض الشهر الماضى استقالة مستشار ترامب للأمن القومى، مايكل فلين، بعدما اعترف أنه ضلل الإدارة بشأن لقائه مع السفير الروسى فى واشنطن سيرجى كيسلياك قبل تسلمه منصبه.
لكن رغم هذه الأزمات إلا أن ترامب يتحرك للأمام، دون النظر للخلف، ويظهر ذلك من قراراه الثلاثاء الماضى بتفكيك إرث باراك أوباما فى مجال البيئة، وتوقيعه «قرار الاستقلال فى مجال الطاقة» الذى يطلب مراجعة الإجراء الأبرز لسلفه الديمقراطى.
كما أن خططه الاقتصادية تسير للأمام، وظهرت نتائجها سريعاً، فقد أكدت مؤخراً مجموعة فورد الأمريكية لصناعة السيارات استثمار 1,2 مليار دولار فى مصانعها فى ميشيجن، وهو ما اعتبره ترامب سيزيد من «وظائف والمزيد من الوظائف».
غداً الاثنين يستضيف البيت الأبيض القمة المصرية الأمريكية التى أستطيع وصفها بالأستثنائية، لأنها تأتى فى ظروف استثنائية للبلدين وكذلك للمنطقة والعالم كله، فهى جاءت بعد أربعة أيام من القمة العربية التى عقدت فى الأردن، وشهدت نقاشاً مهما حول قضايا الإرهاب والحل النهائى للقضية الفلسطينية، والوضع فى سوريا وليبيا واليمن، والتوسع فى النقاش حول قضايا الأمن فى المنطقة، ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة هى جزء من الترتيبات الأمنية فى المنطقة، سواء من خلال قواعدها العسكرية الموزعة على عدد من الدول العربية، أو عن طريق دولاً لا تتحرك الا بعد أخذ المشورة من واشنطن، لذلك لا يمكن أن نتحدث عن الترتيبات الأمنية والاستراتيجية فى المنقطة بعيداً عن واشنطن، فهذه هى طبيعة الأمور التى لا يملك أى منا الاعتراض عليها، وعلينا أن نتجاوب معها، لكن بالقدر الذى يحفظ لدول المنطقة سيادتها، آخذاً فى الاعتبار النموذج المصرى فى التعامل مع واشنطن بعد 30 يونيو، نموذج يقبل الحوار، لكن على أرضية التعاون وليس التبعية.
القمة المصرية الأمريكية تأتى أيضاً وسط توجهات عالمية لتبنى مقاربة أمنية لمواجهة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وهنا تظهر الدعوة المصرية لدراسة الإرهاب بمنطق مختلف، والعودة بالقضية إلى جذورها، فانحسار الدولة الوطنية ومؤسساتها أنتج فراغا، لا تملؤه سوى التنظيمات المتطرفة، بخطابها الطائفى والمذهبى الإقصائى، وممارساتها الإرهابية، وأن الإرهاب لا يمكن مواجهته سوى عبر مقاربة شاملة تبدأ من حرب لا هوادة بكل الوسائل العسكرية والأمنية المتاحة، ولكنها لا تتوقف عندها، فالمطلوب هو مواجهة شاملة لجذور مشكلة الإرهاب، ووقفة حاسمة مع كل من يقامر برعاية ودعم التنظيمات الإرهابية، تحت أى مسمى أو ذريعة.
الفكرة المصرية لمحاصرة الإرهاب تقوم أيضاً على منطق مهم، وهو أن تتوقف القوى الإقليمية والدولية التى انتهزت الوضع الحالى للمنطقة لمحاولة تعزيز نفوذها والقيام بتدخلات سافرة، سياسية بل وعسكرية وأمنية، فى الشؤون العربية.
بالتأكيد فإن القمة المصرية الأمريكية ستهتم بالقضايا الإقليمية، وعلى رأسها الوضع فى سوريا، وكلنا نعلم أن الولايات المتحدة فى الوقت الراهن لم تعلن تبنيها بشكل واضح لأى استراتيجية تتعامل بها مع الوضع فى سوريا، فرغم أنها تتحدث دوماً عن الحوار والمباحثات السياسية، لكنها أيضاً لا تستبعد الحلول العسكرية، ولا تزال تنتظر نتيجة ما تقوم به روسيا مع تركيا وإيران، فهى لاتزال فى مرحلة جس النبض، وهنا سيكون مناسباً لمصر أن تعرض على إدارة ترامب رؤيتها القائمة على أنه لا بديل عن الحل السياسى الذى يحقق الطموحات المشروعة للشعب السورى، ويستعيد وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية ويصون مؤسساتها ويقيها خطر الإرهاب والمنظمات التكفيرية والمتطرفة بمختلف ألوانها الطائفية والمذهبية.
وستكون ليبيا حاضرة على المناقشات الأمريكية المصرية، ففى ليبيا يبقى الوضع مختلفاً، فالحل السياسى مطروح، ويلقى تأييداً دولياً، لكن الأزمة لا تزال معقدة، فحالة الانقسام مستمرة بين الليبيين، ولمواجهة ذلك قامت مصر التى ترتبط مع ليبيا بجوار جغرافى وصلا تاريخية بين البلدين بدور فى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، وجمعت الكثيرين منهم فى القاهرة، ولا تزال الجهود مستمرة.
بالتأكيد سيكون هناك حوار حول الوضع فى اليمن، وكذلك العراق التى دخلت فى معركة ضارية مع الإرهاب، وأيضاً القضية المركزية للعرب، وهى قضية فلسطين، فهى كما قال الرئيس السيسى «المفتاح الضرورى لأى استقرار وأمن حقيقيين فى هذه المنطقة»، وستكون القمة فرصة مناسبة ليؤكد السيسى من قلب البيت الأبيض التزام مصر بالدعم الكامل للشعب الفلسطينى فى مسعاه للتوصل لاتفاق سلام شامل وعادل، وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشرقية، فحل الدولتين، وما يترتب عليه من إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، هو الخيار الوحيد لتجنب الدائرة المفرغة من الفوضى وعدم الاستقرار فى كل الشرق الأوسط، كما سيؤكد لترامب أن العرب يمدون أيديهم لكل الشركاء الأوربيين للعمل معا لاستئناف المفاوضات الجدية الرامية لإنجاز حل الدولتين، الشامل والنهائى، وفق إطار زمنى محدد، خاصة أن الآمال المصرية لا تزال معقودة بأن يكون عام 2017 هو عام التحرك الحقيقى والفعال لحل القضية الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة