يبدو فكاهيا أن دواعش سوريا وليبيا والعراق، يسارعون بالنظر فى كتب الأزهر وقراءتها والمناقشة حول أفكارها قبل أن يبدأوا عمليات القتل، وتصوير أفلام وفيديوهات وهم يذبحون ويحرقون ويقطعون الرؤوس أو يخطفون الأطفال والبنات ليبيعوهم فى سوق النخاسة. بالطبع هذا لا يحدث، لكنه يتبادر للذهن عند استعراض بعض آراء من يهاجمون الأزهر ويحملونه مسؤولية الإرهاب والتطرف والتكفير، ومعروف أن الذين يكفرون ويقتلون لا يريدون الأزهر، ولا تشغلهم التفرقة بين عقل أو نقل، بل سمع وطاعة، لمن يطوعون النص من أجل مصالح رعاة الإرهاب.
بالطبع نحن بحاجة إلى نقاش وحوار حول قضايانا، لكن عندما يحل الصراع مكان الحوار، يختفى النقاش لصالح فريقين على طريقة كرة القدم. وفى قضية الأزهر نجد من يهاجم ومن يدافع بلا منطق، بينما الأزهر نفسه لديه الإجابة، وبكل ما مر عليه من عصور، كان قادرا على استيعاب الاراء المختلفة، والحوار موجه لإقناع عموم الناس بخطر التطرف.
ولا نعرف لماذا نسى من يشاركون فى الجدل الدائر وثيقة الأزهر، وهى من أوائل الوثائق التى صدرت بعد 25 يناير، كانت وماتزال قاعدة لحوار، ولم تكن وثيقة الأزهر التى صدرت وأعلنها الإمام الأكبر فى 20 يونيو 2011، لم تكن وثيقة دينية لكنها كانت تحدد الخطوط الفاصلة بين الدين والدنيا. وعلاقة الدولة بالدين وتحدثت عن دولة مدنية وحقوق الانتخاب والحريات والعدالة.
وثيقة الأزهر كانت نتاج توافق مثقفين من انتماءات مختلفة، مع مفكرين فى الأزهر. أشارت إلى دور الأزهر فى إحياء علوم الدين وتجديدها، بمنهج يجمع بين العقل والنقل، مع التأكيد على البعد الحضارى لإحياء العلوم الطبيعية والآداب والفنون، مع إشارات إلى تراث أعلام الفكر والنهضة والتقدم والإصلاح فى الأزهر ابتداءً من شيخ الإسلام حسن العطار وتلميذه رفاعة الطهطاوى إلى الإمام محمد عبده وتلاميذه وأئمته المجتهدين من أمثال المراغى ومحمد عبدالله دراز ومصطفى عبدالرازق وشلتوت، بجانب إنجازات كبار المثقفين المصريين ممن شاركوا فى التطور المعرفى والإنسانى، وأسهموا فى تشكيل العقل المصرى والعربى الحديث فى نهضته المتجددة، من رجال الفلسفة والقانون، والأدب والفنون، والمعارف التى صاغت الفكر والوجدان والوعى العام.
الوثيقة المنسية كانت تتحدث عن القواسم المشتركة والأهداف السامية، للحريات والعدالة والديمقراطية وتفاصيل مهمة تصلح قاعدة للحوار والبناء عليها، كان هناك دائما من يريد طمس هذه الوثيقة، ولا نعرف لماذا لا يعودون إليها لتكون منطلقا لحوارات من أجل المجتمع والمستقبل. ومواجهة تكفير يمثل حربا على الأزهر وعلى الجميع.. ونكمل الكلام حولها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة