لا يجب أن يمر ما يحدث أمامنا من وقائع عالمية دون أن ننتبه إلى تلك التحولات التى تطرأ على المجتمعات، لا أتحدث هنا عن موقفك الشخصى من بعض تلك التحولات، ولا أتحدث عن مدى صحة هذه التحولات أو فسادها، لكننى أريد أن نتأمل ما يحدث أمامنا فحسب، وما يحدث أمامنا جد خطير.
مؤخرا وافقت تركيا على منح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان سلطات واسعة بالموافقة على التعديلات الدستورية التى اقترحها، وبصرف النظر عن الملابسات التى أدت إلى تلك الموافقة، وبصرف النظر أيضا عن مدى تطابق هذه النتيجة مع الصورة الحقيقية لأردوغان فى تركيا أو خارجها، لكن اللافت هنا هو أن تركيا بهذه الخطوة لم تمنح أردوغان صلاحيات مطلقة فحسب، وإنما غيرت من صورتها الذهنية فى العالم أجمع، فقد بنت تركيا صورتها الحديثة باعتبارها دولة ديمقراطية تحكمها مؤسسات تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة، أما الآن فقد أصبح أردوغان ممثلا حقيقيا لما يسميه خبراء العلوم السياسية بنموذج «سلطة الفرد» وهو التحول الأبرز ليس فى تركيا فحسب وإنما فى المنطقة كلها، الذى أتوقع أيضا ألا يؤثر فى تركيا فحسب وإنما فى ترسيخ «حكم الفرد» فى المنطقة ككل، وتقويض دعائم الديمقراطية الناشئة فى بعض الدول، وتلجيم سطوة الديمقراطية فى دول أخرى.
حالة تركيا ليست غريبة عما يحدث فى العالم، فالكثير من دول العالم الحديث تنتهج ذات النهج، وليس أدل على هذا من انتخاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رئيسا لأمريكا وهو الرئيس صاحب الآراء التى أقل ما توصف به هو، تناقضها التام مع كل أدبيات الحياة السياسية فى أمريكا التى ترسخ لسلطة المؤسسات وإرادة الجمهور، أما فى روسيا فالأمر أوضح بكثير فلدينا الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى يمثل «سلطة الفرد» فى أوضح صورها، وتبدو الصورة فى شكلها الكلاسيكى العميق تجاه زعيم كوريا الشمالية «كيم جونج أون»، فضلا عن أن جمهورية الصين الشعبية التى تأخذ نصيب الأسد من الاهتمام والأهمية العالميتين من أكبر دول العالم ترسيخا لحكم الفرد الواحد أو «الحزب» الواحد، وفى الطريق تتجه أوربا إلى ذات الاتجاه، فما الذى حدث وإلى ماذا سيقودنا هذا التغير، ولماذا حدث ما حدث؟
للحديث بقية..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة