أكد الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية- أن التجربة المصرية الكبيرة فى التعليم الأزهرى، من حيث العلمُ الشرعى على مدار أكثر من ألف عام، كانت صمام أمان لاستقرارالمجتمع وجميع المجتمعات، ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم كله.
وتابع علام : أن الإنسان المسلم مأمور شرعًا بأن يتحرى ما يتلفظ به وما ينطقه من كلام، لأنه مسجل عليه، كما قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
وأوضح المفتى -فى حلقة "من ماسبيرو"، أذيعت اليوم على القناة الأولى المصرية- أن هذا القول الشريف من ربنا سبحانه وتعالى يلقى على الإنسان مسؤولية كبيرة بضرورة التحرى التام والكامل فى كل ما يتلفظ أو ينطق، وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا نبى الله، فأخذ بلسانه فقال: «كُفَّ عليك هذا!» فقلت:يا نبى الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكبُّ الناسَ فى النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟» (رواه ابن ماجه).
وأضاف أن فى هذا الزمان تشتد مسؤولية الكلمة أكثر، لأن التحديات تواجهنا من كل مكان ومن أطراف عدة، سواء عبر الكلام أو الكتابة أو على مواقع التواصل الاجتماعى، ونحن مسؤولون عن كل ما يصدر منا بكل صوره.
وأشار إلى أن الإسلام كان حريصًا على غرس هذه المسؤولية فى النفوس، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الصدق يهدى إلى البر، وإنالبر يهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهديإلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عندالله كذابًا» (رواه البخاري)، وهو إشارة إلى أن الإنسان يجب أن يكون حريصًا على كل ما يصدر عنه فى سره ونجواه وفى كل أموره، وأن يعيد الإنسان النظر فى نفسه إذا ما وجد أنه لا يتحرى الصدق.
وقال: إن على الإنسان أن يراقب نفسه وينظر: هل كلماته وأفعال هتؤدى إلى الرقى والبناء والتعمير وتحسين السلوك؟ أم تهدم وتدمر وتفرق بين الأسر وأبناء الوطن الواحد؟ وأن يبحث كذلك فى مآلات ما يقوله أو يكتبه.
وأضاف فضيلته أن مواقع التواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى بشكل عام أصبح لها قيمة كبيرة فى حياتنا، ومما ينبغى العناية به غرس مسؤولية الكلمةفى نفوس أبنائنا تجاه التعامل معها.
وأشار إلى أنه بتتبع مواقع التواصل الاجتماعى نرى أن كثيرًا من الناس قدجعلوها منصةً لنشر شائعات أو أخبار أو صور أو فيديوهات مثيرة وكاذبة، يتم مشاركتها بشكل كبير دون التأكد من صحة ما تحتويه، أو البحث فى مآلاتنشر مثل هذا الكلام وآثاره على السلم العام والأمن والاقتصاد وزعزعة فكرالناس ووعيهم.
وقال المفتى: يجب ألا نكون أبواقًا لكل ما نسمعه، فقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سـمع» (رواه مسلم)، فعندما نسمع أو نقرأ شيئًا لا بد أن نتحرى عنه ونستوثق منه، وندرك مآلاته.
وأضاف أننا لو عدنا إلى الماضى نجد الشائعة كادت تدمر البشرية، فعندما أمرالله سبحانه وتعالى أبا البشر سيدنا آدم عليه السلام ألا يأكل من الشجرة، أشاع الشيطان أن هذه هى شجرة الخلد، يقول تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُلِيُبْدِى لَهُمَا مَا وُورِى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِإِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]، فأدت هذه الشائعة إلى الأكل من الشجرة وحدث ما حدث. وكذلك ما حدث فى حادثة الإفك مع السيدة عائشة رضى الله عنها وهى منه براء.
وأشار إلى أننا مأمورون شرعًا بالاستيثاق والتأكد من كل ما نسمعه، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًابِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
وأضاف أن مسؤولية الكلمة مشتركة، والأساس فيها يرجع إلى البيت، فبعض الناس يغرسون فى أولادهم بطريقة غير مباشرة أخلاق التحايل والفهلوةوتغليف الكذب بالتجميل، لذا ينبغى على الوالدين أن يتحريا الصدق سلوكًاوقولًا أمام أولادهم، لأن التربية بالأفعال والقدوة الحسنة هى الأساس، والقرآن الكريم يعتب على الذين يقولون ما لا يفعلون، قال تعالى: {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَاتَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 33].
وأشار إلى أن المدرسة كذلك عليها دور كبير فى الجانب التربوى، من ناحيةغرس خلق الصدق فى نفوس الطلاب، والتحذير من الكذب ونقل الشائعات، فإذا رأى المعلم أن طالبًا يقوم بنقل الكلام والشائعات، فعليه أن يخبره بخطرذلك فى الدنيا والآخرة.
ووجَّه مفتى الجمهورية نصيحةً إلى الشباب والمتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى بعدم تناقل، أو نشر المعلومات والأخبار، دون التأكد منها والتحرى عنها ومعرفة مدى أثرها على الناس والمجتمع، وأنيشعروا بمسؤولية ما يكتبونه، لأن الله تعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِرَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، فيكون كلامهم مشروعًا ليس مثيرًا أو خارجًا، ولكنفيه الفكر والعمق والتربية والرقى، ولا يصل للإسفاف كما نرى عند الكثيرين الآن.
وأوضح مفتى الجمهورية أن إطلاق الشائعات والأخبار والمعلومات الكاذبة دون تَحَرٍّ، يضع الإنسان تحت طائلة العقوبة فى الدنيا والأخرة، ففى الدنيا هناك العقوبات والتشريعات التى يضعها الحكام للجرائم الإلكترونية والتشهير ونشر الشائعات وغيرها، وكذلك فى الآخرة فإن رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوى بها سبعينخريفًا فى النار» (رواه أحمد فى مسنده).
وحذَّر المفتى من خطورة الإفتاء بغير علم ولا تأهيل، أو نشر فتاوى غير المتخصصين، لأن من يتصدر للفتوى لا بد أن يتدرج فى مراحلها العلمية التى تحتاج إلى جملة من العلوم لضبط الفتوى.
وأكد مفتى الجمهورية أننا بحاجة إلى ضرورة تنظيم الفتوى وقصرها على المختصين، حتى لا تستمر هذه العشوائية التى تسعى إلى تغيير المستقروإنكار المجمع عليه.
ولفت إلى أن تلك المنهجية كانت متأصلة فى تلقى الصحابة عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فعندما جاءت جدة توفى حفيدها إلى سيدنا أبى بكرالصديق رضى الله عنه تسأله عن الميراث، قال لها: "ما لك فى كتاب الله شيء، وما علمت لك فى سنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا، فارجعى حتى أسأل الناس"، فسأل الناسَ، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصارى فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر الصديق.
وأكد مفتى الجمهورية أن التجربة المصرية الكبيرة فى التعليم الأزهرى، منحيث العلمُ الشرعى على مدار أكثر من ألف عام، كانت صمام أمان لاستقرارالمجتمع وجميع المجتمعات، ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم كله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة