بعد غياب طال لمدة شهور، عادة المهندس عبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية، وأحد منظريها، للظهور من جديد، حيث شن هجومًا حادًا على العلمانيين وعلى من يطالبون بتطوير مناهج الأزهر والتراث الإسلامى، معتبرًا إياهم يستغلون الظروف التى تمر بها مصر من وقت لآخر لرفع شعار علمانية مصر.
وتحت عنوان "الهجوم على التراث.. وتمكين الإرهاب مِن عقول الشباب!" كتب "الشحات" مقالاً مطولاً، أدعى فيه أن الدعوة السلفية تواجه الفكر المتطرف والتفجير والتكفير، قائلا :" ابتُلينا فى هذه الأزمنة بطائفةٍ مِن كارهى تُراثِ أُمَّتِهم؛ بدأوا فى أول أمرهم يذكرون هذا الأمر فى لَحْنِ القول، فينتقدون بعض الأخطاء هنا أو هناك، ويدُسّون فى ثنايا كلامهم بعض الأحاديث الصحيحة التى تستشكل على بعض العامة، فيطالبون بشرحها أو توضيحها، وربما تَجَرَّأ بعضُهم فطالَب بتضعيفها رغم حكم العلماء عليها بالصحة، وقد تكون فى "البخارى" أو "مُسْلِم"!
وأضاف: "بدأتْ هذه النعرة تزداد على يد "سيد القمني" الذى منحه "فاروق حسني" -وزير الثقافة الأسبق- جائزة الدولة التشجيعية، قبْل أن يسقط "مبارك" ووزراؤه، وينزوى "فاروق حسني"، ويختفى "القمني"، "والسعيد مَن وُعِظَ بغيره"، مضيفا :"ورغم أن ثورة "25 يناير" كانت فى مهدها مظاهراتٍ مُوَجَّهة ضد تجاوزات الداخلية، وحوّلها عناد النظام آنذاك إلى ثورةٍ شعبية؛ إلا أن كثيرًا مِن الرموز العلمانية حاولتْ أن تجعل المطلب الأول للثورة هو حذف أو تعديل المادة الثانية مِن الدستور التى تنص على مرجعية الشريعة الإسلامية".
وتابع :"هناك فريقًا لديه "عقيدة" يريد أن يفرضها على الجميع، بلا حُجَّةٍ، ولا حِوارٍ، ولا بُرهانٍ، بل يحاول دائمًا أن يستدرج الدولة ذاتها -بكل أجهزتها- لتخوض حربًا ضد جزءٍ مِن مُكَوِّنات أُمَّتِها، أو ضد مؤسسة لها قيمتها العالمية الكبرى مثْل مؤسسة "الأزهر"، وأن هذا الفريق يستثمر أى حدث -ولو كان بعيدًا كل البعد عن قضيتهم-؛ لكى يثيروا قضية مرجعية الشريعة فى الدستور، أو يثيروا قضية "تطويع الدين لأهواء البشر"، وإن اختاروا له أحيانًا ألفاظًا مُجْملة، لها معانٍ حَسَنَةٍ، وإن كانوا يعنون بها معانٍ باطلة مثل: "تجديد الخطاب الدينى - أو مواكبة روح العصر - أو غير ذلك".
وأضاف "تَجَرَّأَ البعضُ على مهاجمة "الأزهر" ذاته، ثم تَدَرَّجَت به نشوة الشعور بأنه "المُخَلِّص" و"الثائر" الذى جاء ليعالج أخطاء قرون مضت، ليعلن الثورة على "البخاري" و"مسلم"، وعلى كتب الفقه وكتب التفسير! وبالطبع وُجِدَت أفكار شاذة، ووُجِدَ سلوكٌ مشين ينتسِب إلى الإسلام، وإلى الدعوة الإسلامية، وكلما حدث شيء مِن هذا يُبادِر "الأزهر" وغيره ممن يرفضون ذلك الإرهاب -كالدعوة السلفية التى كان مِن أبرز القضايا التى اهتمتْ بها على مدار نحو مِن أربعين عامًا الرد على فكر التكفير والتفجير".
وتابع:"فعندما نُبَرِّئُ "الأزهر" وغيره مِن أفعال "داعش"؛ يخرج علينا بعض أولئك النفر، مُدَّعين أن "الأزهر" -ومِن قبْله كتب التراث- تدعو إلى ما تفعله "داعش"! ومهما حاولتَ إقناعَهم بأن نصوص الكتاب والسُّنة تُجَرِّم أفعال "داعش"؛ إذا هم يشغبون عليك برواياتٍ تاريخية واهية؛ لمحاولة إثبات أن سلوك "داعش" سلوك إسلامى ضارب بجذوره فى التاريخ!
وأضاف: "عندما تحدث جرائم تحرش "لا إنسانية" سببها المخدرات، وسينما العرى، وضعف الوازع الدينى، وإلخ؛ فالمتهم الأول عند هؤلاء هو الحجاب!، فإن قلتَ لهم: إن الحجاب وقاية مِن هذه الجرائم لا العكس؛ تمسكوا بالجرائم النابعة مِن شذوذ مُفرِط، مثل: اغتصاب الرُضَّع أو التحرش بالمُسِنَّات، وهذه الجرائم تحدث كنتيجةٍ لتعاطى المخدرات، مضيفًا: "إذًن نحن أمام موقف عقائدى يتبناه البعض ويُصَرِّح به وينافح عنه، وهو أنه لا بُدَّ مِن نسف كتب التراث، ونسف كل مَن يتبناها؛ ابتداءً بالمدارس الفقهية للأئمة الأربعة وغيرهم، وأئمة الحديث، وانتهاءً بـ"شيخ الأزهر" الدكتور "أحمد الطيب"، وهيئة كبار العلماء، وكل مَن يتبنى أخذ العلم مِن كتب التراث.
وجاءتهم الفرصة على طبق مِن ذهبٍ، وهى التفجيران الإرهابيان اللذان حدثا فى كنيستين فى يومٍ واحد؛ وفجأة، وبدون مقدمات، وكأننا أمام مشهد لـ"أولتراس" فريق كرة قدم، يحاول أن يؤثِّر على الحَكَم، وأن يرهب عين المُشاهِد، ليتوَهَّم شيئًا غير الذى يُشاهِده أمامَه؛ وجدنا محاولة لإلصاق التهمة "بالأزهر"، وبدأت التهمة أولًا بالتقاعس عن نشر الفكر الوسطي؛ مما يعنى التسليم بأن "الأزهر" يمثـِّل فكرًا وسطيًّا؛ إلا أنه -مِن وجهة نظرهم- مسئول عن هذا الملف المتشابك الأطراف بيْن الفكرى والسياسى والأمنى.
إلا أن الفريق المعادى للتراث لم يرضَ بهذا القدر؛ لأن قضيته فى الحقيقة ليستْ هذه، وإنما قضيته هى محاربة التراث، وكل مَن يحافظ عليه، وعلى رأسهم "الأزهر"؛ فأبوا إلا أن يكرروا مُغالَطة أن "كتب التراث" ذاتها تدعو إلى هذا، مع أنهم لا يفسِّرون لنا: لماذا؟ وكيف رَعَت الأمة الأقليات وصانت لها حقوقها لما كانت مرجعيتها الحقيقية هى تلك الكتب؟!
وعند هذا الفريق أن "الأزهر" طالما يدرِّس "كتب التراث"؛ فهو فى "قفص الاتهام!"، مع ملاحظة أن مرتكبى هذه التفجيرات لم يدرسوا يومًا فى الأزهر، بل ولم يُصَلّوا يومًا فى مسجدٍ مِن مساجد المسلمين العامة، بل أقاموا لأنفسهم مساجدهم الخاصة؛ لأنهم يُكَفِّرون المجتمع، وهذه الجماعات معلوم عنها قِلَّةَ عنايتها بكتب التراث أصلاً؛ فهم لا يطّلعون على كتب التراث -سواء مِن خلال "الأزهر" أو غيره-، وإنما يتداولون كتيباتٍ صغيرة لا يخرجون عنها، فيها آيات منتزعة مِن سياقها، وأحاديث بمعزل عن شروحها الموجودة فى كتب التراث، وربما نقلوا بعض النقول المبتورة لبعض العلماء، وربما نقلوا أحيانًا عمن يعتقدون كفره.
وقال: "إذا نظرنا إلى خريطة العالم ككل، وما هى أكثر الدول التى تُصَدِّر أفرادًا لـ"داعش"؛ سنجدها الدول الأوروبية التى يوجد فيها مسلمون، ولكن لا توجد فيها حرية دعوة حقيقية؛ فتتصيد "داعش" فرائسها عبْر "الإنترنت"، وكذلك البلاد الإسلامية التى صبغتْ مؤسساتها الدينية الرسمية بصبغة علمانية.
وتساءل: هل يمكن للمناهج التى يُراد "للأزهر" أن يتبناها أن ترد إرهابيًّا واحدًا عن فِكْرِه، أم أنها ستُلقِى بمزيدٍ مِن الزيت على النار، وستقدم للمتطرفين ألفَ دليلٍ ودليلٍ على أن الدين لم يعد له حامٍ غيرُهم، وأن "الأزهر" وكل الجمعيات الدعوية السلمية قد تنكبوا لتراث الأُمَّة وخرجوا عليه؟!
وأضاف: "نعم، قد تخرج هذه المناهج إذا طبقها "الأزهر" -وقاه الله مِن كل سوء- خِرِّيجين يرفعون شعار العلمانية، أو يقبلون بادعاء أن الشعب المصرى علمانى بطبعه، أو يتحسرون على شكل الجامعة الذى كان أفضل قبْل انتشار الحجاب فيها، أو يرهبون الناس فى عيد الأضحى مِن ذبح الأضاحى بدلًا مِن الترغيب فيها، أو يجعلون مفتاح الجنة وباب الدخول فى الإسلام "شهادة أن لا إله إلا الله" دون قرينتها "شهادة أن محمدًا رسول الله"، أو يدرسوا تاريخنا كما لو لم يكن فيه فترة مضيئة إلا أربعين سنة بالكاد، والباقى ظلماتٌ بعضها فوق بعض! (هذه نماذج حقيقية لما يدعو إليه هؤلاء الذين يريدون أن يقودوا ثورة التجديد فى الأزهر الآن!).
وأضاف: "مِن المناسب هنا أن نرجع أيضًا إلى موقف رجل يَدَّعِى بعضُ دُعاة العنف والإرهاب أنهم تتلمذوا على كُتُبِه -ومِن ثَمَّ يُبالِغُ خصومُه فى رميه بهذا بالباطل-، وهو شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله-؛ وهو مِن أكثر الناس حِرصًا على الولاء والبراء والوضوح العَقَدى، ولكنه فى ذات الوقت مِن أكثر الناس حِرصًا على احترام العهود والمواثيق، ومِن أكثرهم بيانًا لمسئولية الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم عن حماية الأقليات، وهذا ما طَبَّقَه عمليًّا فى موقف يتجلى فيه الوسطية فى العدل والإنصاف فى أبهى صُوره.
وأضاف: "قال شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله-: "وقد عَرَفَت النصارى كلُّهُم أنى لما خاطبتُ التتار فى إطلاق الأسرى وأطلَقَهم "غازان" -فسمح بإطلاق المسلمين- قال لى: لكن معنا نصارى أخذناهم مِن القدس، فهؤلاء لا يُطْلَقون! فقلتُ له: بل جميع مَن معك مِن اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفتكهم، ولا ندع أسيرًا؛ لا مِن أهل الملة، ولا مِن أهل الذمة! وأطلقنا مِن النصارى ما شاء الله!".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة