الاقتصاد كان المحرك الرئيسى لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لواشنطن، وهو ما يظهر من أعضاء الوفد المرافق الذى ضم وزراء الاستثمار، سحر نصر، والتجارة والصناعة طارق قابيل، والمالية عمرو الجارحى، فضلاً عن اللقاءات التى جرت خلال الأيام الستة للزيارة، التى سيطرت عليها أحاديث الاقتصاد وأرقامه.
الهدف الأول كان تقديم شرح وافٍ وكافٍ وشفاف أيضاً للأوضاع الاقتصادية فى مصر حالياً، أخذاً فى الاعتبار أهمية السوق الأمريكية لمصر، وكذلك المستثمرين الأمريكيين، فحجم التبادل التجارى بين البلدين فى عام 2016 بلغ 3.9 مليار دولار، وارتفعت الاستثمارات بنسبة %6 عن عام 2015 وبلغت مليارا و493 مليونا، ولتصل بحجم الاستثمارات الأمريكية فى مصر إلى 21.3 مليار دولار بما يُمثل %33 من الاستثمارات الأمريكية فى أفريقيا.
جهود الإصلاح الاقتصادى فى مصر، كانت المسيطرة على النقاش، وكانت لفتة مهمة من الرئيس يشيد أمام المسؤولين والمستثمرين الأمريكيين بما أظهره الشعب المصرى من صبر وتفهم للإجراءات الاقتصادية الأخيرة رغم صعوبتها، إيماناً بحتمية الإصلاح الاقتصادى وضرورة التعامل الفعال مع المشكلات الاقتصادية المزمنة، وإيماناً أيضاً من المصريين بأن الهدف الرئيسى من برنامج الإصلاح الاقتصادى هو توفير الوظائف وفرص العمل وتحسين دخل المواطن المصرى، فعند زيادة الإنتاجية وعدد المصانع والمستثمرين تزيد الوظائف ما يعنى دخلا ومعيشة أفضل واستيراد أقل.
بالطبع كلنا ندرك أن القرارات الاقتصادية الأخيرة وتحديداً تحرير سعر الصرف كانت صعبة على المواطن المصرى البسيط، لكنها فى المقابل وضعت الاقتصاد المصرى على المسار السليم، حيث أسهمت بفاعلية فى خفض فاتورة الواردات وتشجيع الصادرات، كما أنها تعيد تصحيح أوضاع خائطة كانت تسير عليها الدولة طيلة الأربعين عاماً الماضية، كما ندرك جميعاً أن اتخذا هذه القرارات وفى هذا التوقيت تحديداً ينم عن أن الهدف منها هو المصلحة العليا للدولة، وإصلاح مسار الاقتصاد بما يرسى أساساً حقيقياً للتنمية الشاملة والمستدامة، فلا أحد بخلاف السيسى لديه القدرة على اتخاذ هذا القرار الصعب، الذى نعترف جميعاً أنه أثر على جزء من شعبيته، لكن الرجل تحمل الردود، لأن القرار كان مطلوبا.
لقاءات واشنطن الاقتصادية التى شملت شركات ومستثمرين وزيارة لغرفة التجارة الأمريكية، ولقاء مع جيم يونج كيم مدير البنك الدولى، وكريستين لاجارد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، شهدت كلها تأكيدات مصرية بالحرص على تهيئة مناخ الأعمال وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، بهدف رفع معدلات النمو وخفض البطالة والدين العام، وكذلك عرض ما يتم اتخاذه من إصلاحات إدارية وتشريعية لتحفيز الاستثمار وتوفير مناخ داعم له، وعلى رأسها العمل الجارى لإصدار قانون الاستثمار، فضلاً عن تيسير الإجراءات البيروقراطية أمام المستثمرين.
وكانت اللقاءات فرصة مناسبة أيضاً للرئيس لكى يؤكد لرؤساء الشركات الذين التقاهم حرص مصر على التواصل المستمر مع المستثمرين للتعرف على المشاكل والمعوقات التى تواجههم والعمل على حلها وتذليل كل العقبات أمامهم، ولتوصيل الرسالة بشكل قوى، تطرق الرئيس السيسى خلال لقاءاته إلى المشروعات القومية الجارى تنفيذها، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، بالإضافة إلى بناء عدد من المدن الجديدة ومنها العاصمة الإدارية، فهى مشروعات تؤكد مستوى الأمن والاستقرار الذى تعيشه مصر حالياً، فالدولة التى تعانى من هزات لا يمكن أبداً أن تنخرط فى مشروعات كبرى.
خلال اللقاءات تلقى الرئيس رسائل إيجابية من كبرى الشركات الأمريكية، فشركة جنرال إلكتريك الأمريكية، أعلنت أن لديهم أكثر من مبادرة للعمل فى مجالات مختلفة، مثل السكة الحديد والكهرباء والقطاع الصحى، كما لديها رغبة فى التعاون مع مصر والاستمرار فى إمداد السوق المصرى بتوريدات، والاستثمار فيه بشكل كبير، ويجرى الأن التشاور مع مسئولى الشركة لمناقشة تلك الخطط تمهيدا لتطبيقها على أرض الواقع، هذا بالإضافة إلى استثمارات لشركات أمريكية أخرى عملاقة منها شركة أباتشتى التى تصل استثماراتها فى مصر إلى 16 مليار دولار، فيما تبلغ استثمارات شركة بيبسى مليار ونصف دولار وتوفر أكثر من 15 ألف فرصة عمل بداخلها.
بخلاف الوعود والتطمينات، فقد شهدت الكواليس نقاشات مصرية أمريكية حول عودة التفاوض مرة أخرى للدخول فى اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وظهر لدى الوفد المصرى تفاؤل بأن تقوم أدارة ترامب بداية بإنهاء عملية التفاوض على إقرار اتفاقية التجارة والاستثمار بين مصر والولايات المتحدة، التى بدأت عام 1999 لكنها شهدت بعض نقاط الخلاف فى أثناء فترة حكم أوباما، لكن الادارة الحالية منفتحة فى عملية التفاوض، على اعتبار أنها ستكون خطوة أو حافزاً للدخول فى اتفاقية التجارة الحرة، أخذاً فى الاعتبار نظرة ترامب لمصر باعتبارها سوقاً محورية.
تبقى شىء مهم وهو لا يتعلق بالاقتصاد، وإنما مرتبط أساساً بالسياسة ووضعية جماعة الإخوان الإرهابية فى الولايات المتحدة، فبعد ثورة 30 يونيو حاول الإخوان الظهور بقوة فى واشنطن ونيويورك، وحاولوا تنظيم فعاليات معادية للدولة المصرية، لكن سرعان ما انكشف وضعهم وحجمهم الحقيقى، ووصل بهم الحال إلى عدم قدرتهم على الحشد، وهو ما ظهر فى زيارة الرئيس الأخيرة لواشنطن، فقد فشلت الجماعة الإرهابية رغم ما تمتلكه من دعم مالى مقدم لهم من المخابرات التركية والقطرية، أن ينظموا وقفة وحيدة ضد الدولة المصرية، والسبب فى ذلك يرجع إلى وعى الجالية المصرية بالولايات المتحدة لألاعيب الإخوان القذرة، فضلاً عن إدراك عدد ممن كانوا فى الماضى متعاطفين مع الإخوان أنهم لا يخدمون سوى مصالح لقيادات الجماعة الإرهابية.
الزيارة الأخيرة لواشنطن كتبت فصل الختام والنهاية لجماعة الإخوان الإرهابية، كما أنها أيضاً وضعت حداً لمن يطلقون على أنفسهم «قيادات أقباط المهجر»، ممن افتضح أمرهم، ويرجع الفضل فى ذلك إلى الجالية المصرية الوطنية والواعية تماماً لمخططات الإخوان والموالين لهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة