فى قريتها ميت العامل، التابعة لمركز أجا، بمحافظة الدقهلة، تجلس الحاجة سبيلة بين زوجات أولادها الخمسة، وابنتيها، وأحفادها من أبنائها السبعة، فى منزل شاهد على قصة كفاحها. بدأت فى الخمسينات القرن الماضى، هى وزوجها واللذان كانا يعيشان فى منزل متواضع، ويعتمدان فى قوت يومهما على تجارة صغيرة، لم تتوافق هذه التجارة الصغيرة مع أحلامهما، فبحثا عن كل سبيل لتنمية التجارة، وصناعة مستقبل أفضل لأولادها - جلال والذى يعمل فى الميكنة الزراعية، وحمودة مهنس زراعى، وأحمد موظف فى المجلس المحلى، وطارق الذى يعمل فى التجارة - لم تكن تتخيل فى يوم من الأيام أنها ستكون أيضا أحد مكونات مستقبل مصر، وإحدى الشخصيات التى يتكلم عنها التاريخ، كلما ذُكرت تضحيات الشعب المصرى، من أجل وطنه، خاصة تضحيات المرأة المصرية.
الحاجة سبيلة ذات 76 عاما، والتى تبرعت بثروتها، ومشغولاتها الذهبية، لصندوق "تحيا مصر"، والتقت الرئيس عبد الفتاح السيسي 22 مارس الماضى، حيث استقبلها فى قصر الرئاسة، وسلمته تبرعها لصندوق تحيا مصر، بعد أن طلبت مقابلته، وتلقت اتصالا هاتفيا من رئاسة الجمهورية، يؤكدون لها أن لقاء الرئيس السيسي سيكون عشية احتفال مصر بعيد الأم، لتثبت "سبيلة" أن الأم المصرية هى أكثر سيدات العالم عطاء.
"اليوم السابع" التقى السيدة الريفية المسنة - والتى استطاعت أن تجد لنفسها مكانا فى التاريخ، حتى تكون قدوة لمن يأتين بعدها، من الأمهات والسيدات - وقضى يوما بجوارها، والذى لا يختلف أحداثه كثيرا، عن أحداث يوم أبنائها وبناتها وأزواجهم وأحفادها.
تحرص الحاجة سبيلة على الاستيقاظ مبكرا، يوميا، تصلى الفجر، فى أولى ساعات الصباح، وتستمع لنشرات الأخبار، تبحث بين القنوات عن أخبار جولات أو زيارات، أو خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى أكدت أنه فى نظرها البطل منقطع النظير، والمنقذ الذى لن يكرره الزمان، يسبقها لسانها بمجرد أن ترى صورة للرئيس على شاشة التليفزيون، بالدعاء له بالنصر والتثبيت والسداد، والبطانة الصالحة التى تعينه على فعل الخير وتجنب الشر.
تحرص الحاجة سبيلة بعد ذلك على الاتصال بأبنائها، فردا تلو الآخر، للاطمئنان عليهم وعلى زوجاتهم وأزواجهم، وأحفادها، وتخاطب فى التليفون كل أحفادها، قبل ذهابهم للمدرسة، حتى أنها حريصة على الاتصال بابنتها الموجودة فى الإمارات، والتحديث إلى حفيدتها أميرة يوميا، للاطمئنان عليها.
وبعد ذلك تتناول الحاجة سبيلة طعامها، وتخرج لشرفة منزلها، الكائن بأول القرية، حيث يمر عليها كل أبناء القرية، الذين باتوا ينظرون إليها ككبيرة القرية، ويوقرونها، فهى سفيرتهم للتاريخ كما يقولون، ويحرص الأطفال أثناء ذهابهم للمدرسة بتوجيه السلام لها، فجميع سكان القرية أقارب، ويعرفون بعضهم البعض، والحاجة سبيلة هى إحدى جداتهم، والقدوة التى يقتدون بها.
تدخل الحاجة سبيلة إلى داخل المنزل من جديد، تحرص زوجات أولادها على زيارتها، تراهم تتذكر وقت أن تزوجت، وكانت تعيش فى بيت عائلة زوجها، وكانت تخرج لأعمال الحقل معهم، وتعمل فى جمع المحصول، ورعاية الماشية، وكل أعمال الزراعة، حتى تعين زوجها، وتكون سندا له على ملمات الحياة. وتقول الحاجة سبيلة: "كنت أعلم أولادى أن يحيوا تحت أى وضع مادى، ومالى، كنت أحلم أن يتعلم أطفالى وبناتى، ويذهبون للمدرسة، ولا يحرموا من التعليم مثلما حرمت".
وتقول "سبيلة": "أنا كنت ناجحة ونبيهة جدا فى المدرسة، وللأسف لم يكن هناك تعليم فى وقتى، ولم يكن الأهالى يحرصون على تعليم البنات، مثل هذا الوقت، وأنا كنت حريصة أن أعلم أولادى كلهم، أنا الآن أتذكر جميع الدروس التى أخذتها فى المرحلة الابتدائية، جدول الضرب أحفظه بنفس النغمة التى كنا نرددها فى السنوات الماضية، وتحملت كل شىء من أجل أولادى، ومن أجل إعانة زوجى، كنا نعمل فى التجارة فى المحصول الذى كنا نجنيه، كان زوجى يبيع البصل والثوم والخضراوات، وكان يأتينا ناس منتصف الليل من محافظات بعيدة كالسويس والإسماعيلية، وكان يوقظنى لإعداد الطعام لهم، كنت ربة منزل ناجحة، فى ثوان يتم إحضار أشهى المأكولات والأطعمة للضيوف، ولا يشعر أحد أن الطعام أعد فى وقت زيارتهم، حتى لا يتحسسوا ويشعرون بالإحراج من جراء ذلك".
وتتابع سبيلة: "كل يوم أطمئن على حفيداتى أنهن ذهبن للمدرسة، وكنت سعيدة جدا لما أتت إحداهن لى وقالت إنها قامت بدعوة صديقاتها وزميلاها بالمستشفى لادخار مصروفهن، الذى يتقاضينه يوميا، والتبرع به لصندوق تحيا مصر، وحينها تذكرت المثل الشعبى القائل (اللى خلف مماتش)، ودائما أنصح زوجات أولادى، بالتضحية من أجل أولادهن، وأزواجهن، ويساعدن أزواجهن برغم أنهم ميسورون الحال الحمد لله، ولكن لا بد أن يرى الزوج أن زوجته سندا له، فلا أحد أقرب لأحد من الزوج والزوجة، ولا شىء يعوض هذا القرب أبدا، فالعلاقة الزوجية هى أسمى العلاقات".
تقطع الحاجة سبيلة حديثها مع محرر "اليوم السابع"، وتنظر فى الساعة، لتجد أن الساعة قد حانت العاشرة صباحا، تفتح مصحفها، وتقرأ فيه، وتتدبر بعض المعانى القرآنية فيه، ثم تصلى الضحى، وتستعد لصلاة الظهر، تأتيها بعض زوجات أبنائها، تتناول معهن وجبة سريعة، وبعض الشاى، ثم تقوم لصلاة الظهر، يبدأ أحفادها بالعودة من المدرسة، يعودون إلى بيت جدتهم لا إلى منازلهم، تطمئن عليهم، وتعطيهم مصروفهم اليومى، تسألهم عن أحوالهم فى الدراسة، ومع زملائهم، ثم تخرج إلى شرفة منزلها قليلا، تتابع حياة المواطنين فى القرية، وتستمع لشكواهم، ولأحادثيهم أمام المنزل، تخفف بعضا من آلامهم، بحكمتها ونصحها لهم، وتفرح لفرحهم.
تدخل الحاجة سبيلة إلى المنزل من جديد، تفتح الأخبار، وتتذكر لقائها بالرئيس السيسي، وتقول: "كنت بحلم، لم أكن أتوقع يوما من الأيام أن أجلس إلى الرئيس، اتبرعت بثروتى علشان عيون السيسي، بحبه أوى ونفسى أشوفه كل يوم وأقعد جنبه، مصدقتش نفسى لما قالولى هقابل حبيبى، بقعد اتفرج على السيسي فى التليفزيون فى خطباته وأقوله اطلعلى نفسى أقعد معاك، وولادى يضحكوا عليا، لما دعونى علشان أتكرم قولتلهم نفسى أتبرع بكل حاجة بس أشوفه وأقعد مع حبيبى السيسي، أول ماشوفته خدت إيده فى إيدى، كان قاعد بعيد عنى قولتله لا تعالى قرب جنبى هنا، وباس رأسى وقالى تطلبى إيه قولتله مش عايزة غير أنك تكون بخير وسلامة وربنا يحميك لمصر ولينا يا رب، قالى تطلبى إيه محتاجة إيه وأنا اعملهولك، قولتله مش عايزة حاجة كفاية أن شوفتك ولمستك بإيدى، ولو معايا أكتر من كده كنت اتبرعت بيه، ده السيسي عملنا كل حاجة عملنا كل الحلو، خلانا ننام فى أمان وسعادة ربنا يحميه لينا".
الحاجة سبيلة
الحاجة سبيلة تتفقد الأحفاد
الحاجة سبيلة مع بعض الأقارب
الحاجة سبيلة مع زوجات أولادها
الحاجة سبيلة تطمئن على أولادها
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة