لا يقتصر سوء مشروع تعديل قانون الأزهر، الذى تقدم به النائب محمد أبوحامد إلى البرلمان على توقيته، وإنما يمتد إلى مواده.
فى مسألة التوقيت، فإننا أمام مشروع قانون يتقدم به النائب، بينما تشتد حملة الهجوم على الأزهر التى يختلط فيها الصالح بالطالح، وتتوارى الآراء الجادة لصالح ارتفاع نغمة تحميل الأزهر المسؤولية الكاملة عن الإرهاب، وفى هذا السياق، سيكون من السهل اتهام «مشروع أبوحامد» بأنه غير حسن النية والمقصد، ولا ينفصل عن حالة الهجوم الحالية ضد الأزهر وشيخه، وفى حال عرضه للمناقشة تحت قبة البرلمان، سنجد أنفسنا أمام حالة شبيهة بتلك التى حدثت مع مشروع قانون السلطة القضائية.
أما فى مسألة المواد التى يطالب بتعديلها «أبوحامد»، فهى للوهلة الأولى تعمق السيطرة على الأزهر وليس العكس، وتلك هى مشكلته الدائمة مع السلطة السياسية منذ سنوات طويلة، وليس صحيحا كما يذهب البعض، أن هذه السيطرة بدأت منذ ثورة 23 يوليو 1952 وقانون تطوير الأزهر، الذى صدر عام 1961، فمسألة اختيار شيخ الأزهر لو عدنا بها منذ حكم محمد على، سنجد أن أصابع السلطة فيها بشكل متواصل، ويكمن الاختلاف فقط فى الطريقة وأسلوب الإخراج.
يتحدث مشروع القانون الذى تقدم به أبوحامد عن تعيين «شيخ الأزهر من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء»، وهذا النص كفيل بإثارة كل الشكوك، لأنه ببساطة سيعنى أنك تترك لمن يختار الحرية فى تفضيل اسم على آخر من بين الثلاثة، وذلك دون وجود أى ضمان لترجيح الأفضل بينهم، كما أنه يفتح الباب أمام الشكوك فى أن الاختيار يتم بمعيار الموالاة وليس بمعيار الكفاءة والاستقلال.
ويحدد مشروع القانون مدة وجود شيخ الأزهر فى منصبه بست سنوات، ويجوز إعادة انتخابه لمرة واحدة فقط، وهذا النص يعنى إلغاء وجود شيخ الأزهر فى منصبه حتى وفاته أو تخليه هو عن منصبه بإرادته، وهو المعمول به بصفة دائمة مهما تغيرت النظم السياسية، والقيمة الأصلية فى ذلك هو التأكيد على استقلالية شيخ الأزهر، وعدم إخضاعه لرضا وهوى أى سلطة سياسية.
يفتح المشروع فى مادته الخامسة الباب واسعا أمام تحويل منصب شيخ الأزهر إلى «ألعوبة» فى يد الآخرين، وذلك باسم محاسبة «الشيخ»، وبالرغم من أن ظاهر هذا النص يبدو ديمقراطيا، وأنه لا أحد فوق الحساب، إلا أننا سنكون أمام حالة تطلق اليد فى التعرض لهذا المنصب الجليل، وتنص المادة على أنه «فى حال إخلال شيخ الأزهر عن القيام بواجباته، وذلك بالتحقيق معه أمام لجنة تحقيق تشكل من أقدم سبعة أعضاء بهيئة كبار العلماء، وذلك بناء على قرار من ثلثى أعضاء هيئة كبار العلماء، وتتولى هذه اللجنة التحقيق معه، فيما ينسب له وسماع أقواله، وتعد تقريرا بناء على ذلك إما بتبرئة ساحته أو بإدانته، ويكون الجزاء الذى يقع عليه إما «الإنذار» أو «اللوم» أو «عدم الصلاحية»، ويعرض هذا التقرير على هيئة كبار العلماء ويتخذ القرار فيه بأغلبية الثلثين.
هناك مواد أخرى فى مشروع التعديلات تستحق التوقف أمامها، لكن المواد السابقة كفيلة وحدها بالحكم على هذه التعديلات بأنها بعيدة كل البعد عن استقلال الأزهر وتطويره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة