تشكل الزيارة المرتقبة التى سيقوم بها البابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلى مصر فرصة لإطلالة على رؤى رأس الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية ومفاهيمه الثقافية التى تدخل فى جوهر ثقافة السلام والحوار بين الثقافات والحضارات.
وكان البابا فرانسيس قد أعلن أنه سيأتى إلى القاهرة هذا الأسبوع كصديق ورسول سلام فيما اختار الفاتيكان شعارا دالا لهذه الزيارة وهو:"بابا السلام فى مصر السلام"، فيما نوهت إذاعة الفاتيكان بأن شعار الزيارة يقترن بصورة تظهر مصر بنيلها الخالد رمز الحياة وعراقتها التى ضمت كل الديانات التوحيدية كما تتوغل فى حضارتها كما يتمثل فى شموخ الأهرامات ورسوخ أبى الهول ويرمز الهلال والصليب فى تعانقهما للعيش المشترك بين كل المصريين.
وفى رسالة بالفيديو على الموقع الإكترونى للفاتيكان وجه البابا فرانسيس رسالة إلى الشعب المصرى بمناسبة زيارته المرتقبة "لأم الدنيا" استهلها بالقول:" يا شعب مصر الحبيب السلام عليكم" فيما وصف مصر بمهد الحضارة وهبة النيل وارض الشمس والضيافة.
وأضاف البابا فرانسيس فى رسالته: "يشرفنى أن أزور الأرض التى زارتها العائلة المقدسة" منوها أيضا "بالمكانة الرفيعة" التى تحظى بها مصر فى العالم الإسلامى ومؤكدا على أن "عالمنا الممزق من العنف الأعمى يحتاج إلى السلام والمحبة والرحمة" فيما اختتم هذه الرسالة بعبارة: تحيا مصر".
وإذ يشارك البابا فرانسيس خلال زيارته المقررة لمصر فى المؤتمر العالمى للسلام الذى تنظمه جامعة الأزهر نوه السفير البابوى فى القاهرة المونسينيور برونو موسارو بأجواء الترحيب من جانب كل المصريين بهذه الزيارة المرتقبة التى يتفق المعلقون والمحللون فى العديد من الصحف ووسائل الإعلام على أنها تعبر عن تقدير الحبر الأعظم للدور الذى تنهض به مصر فى نشر السلام والتسامح بين كل البشر.
وتحتفظ مصر والفاتيكان بعلاقات دبلوماسية منذ الثالث والعشرين من مايو عام 1947 فيما كان بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس قد زار مصر فى عام 2000 وزار الرئيس عبد الفتاح السيسى الفاتيكان فى شهر نوفمبر العام 2014 والتقى فى سياق زيارته التاريخية بالبابا فرانسيس.
وفى شهر مايو من العام الماضى زار شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الفاتيكان والتقى البابا فرانسيس الذى يؤكد على احترامه لجميع الأديان ويدافع عن ضرورة الحوار بين الثقافات والحضارات وبناء جسور التواصل الإنسانى بين كل البشر على اختلاف اديانهم ومعتقداتهم.
وكان البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية قد رحب بزيارة البابا فرانسيس ووصفها بأنها ستكون "زيارة تاريخية ومباركة" لمصر معيدا للأذهان انه حرص على أن تكون أول زيارة خارجية له بعد تنصيبه هى زيارته للفاتيكان فى العاشر من مايو عام 2013.
وبعد أن أصبح رأس الكنيسة الكاثوليكية والحبر الأعظم للفاتيكان فى الثالث عشر من شهر مارس عام 2013 رحب رجال الدين المسلمين فى الأرجنتين بهذا الاختيار معيدين للأذهان أنه كان دوما كرئيس لأساقفة بيونس إيرس صديقا للمجتمع الاسلامى فى بلده كما أنه من الأصوات المخلصة فى دعوتها للحوار بين كل البشر.
وتبنى البابا فرانسيس خطابا ثقافيا يدعو لبناء الجسور بين الحضارات والبشر فى كل مكان مؤكدا أهمية العدالة الاجتماعية والتضامن مع الفقراء والمعوزين والمهمشين وإعادة التوازن فى العلاقات الاقتصادية بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية.
ورأى البابا فرانسيس أن "الفقر المدقع والهياكل الاقتصادية الظالمة والتى تنتج اللامساواة إنما تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان" كما أدان "الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية" داعيا سكان الأرض لأن يكونوا "حراسا للطبيعة" وفى الوقت ذاته فهو من منطلق توجه يدافع عن كرامة الحياة الإنسانية صاحب مواقف مناهضة للإجهاض وما يعرف "بالقتل الرحيم".
والبابا فرانسيس وهو البابا رقم 266 فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية ولد باسم خورخى ماريو بيرجوليو يوم السابع عشر من ديسمبر عام 1935 فى العاصمة الأرجنتينية بيونس ايرس وكان يعد من اهم رموز الجناح الاصلاحى فى الفاتيكان حتى قبل اختياره كسيد لدولة الفاتيكان.
واختار الحبر الأعظم ورأس الكنيسة الكاثوليكية اسم فرانسيس لنفسه تأسيا بالقديس فرانسيس الأسيزى الذى عرف فى التاريخ الكنسى بوصفه "المدافع عن الفقراء ورجل البساطة وداعية السلام" فيما عرف البابا فرانسيس فى سنوات الصبا والشباب بشغفه بالأفلام والموسيقى الشعبية الأرجنتينية فضلا عن كرة القدم وهو مشجع لفريق نادى برشلونة الأسبانى الشهير "بالبارسا".
وللبابا فرانسيس صاحب الاهتمامات الثقافية والأدبية عدة كتب من بينها كتاب "اسم الله هو الرحمة " الذى عرف طريقه لقوائم اعلى مبيعات الكتب فى الغرب كما انه صاحب كتاب "فى السماء والأرض" ومؤلفات ورسائل رعوية ولاهوتية بعضها يحمل عناوين دالة مثل :"تآملات للمتدينين" و"تأملات امل" و"عقل مفتوح وقلب مؤمن".
وللبابا فرانسيس الذى درس الكيمياء فى جامعة بيونس ايرس اهتمامات اصيلة بحماية البيئة ومواجهة ظاهرة التغير المناخى وقد اصدر كتابا حول هذا الموضوع الذى يهم كل سكان الكوكب الأرضى فيما قال الكاردينال بيتر تركسون الذى يقوم بدور مستشار الشؤون البيئية للبابا فرانسيس بابا الفاتيكان انه من المتعين تشجيع البشر على ممارسة المواطنة البيئية.
والى جانب دراساته اللاهوتية تابع البابا فرانسيس دراسات فى الأدب وعلم النفس فى عامى 1964 و1965 ولعل اهتماماته الأدبية تنعكس فى جماليات لغته ومفردات خطابه البابوى ناهيك عن مضمونها الثقافى والفلسفى الثرى بقدر ما تعبر عن "تكوين منفتح ومشجع للحوار مع كل أصحاب الآراء المختلفة والأفكار المغايرة".
ولئن توقف الأمريكى كريستيان كاريل فى كتاب "متمردون غرباء : 1979 ومولد القرن ال21" طويلا عند عام 1979 من منظور ان ذاك العام شهد الثورة الإيرانية وسطوع نجم بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثانى والغزو السوفييتى لأفغانستان وبدايات تململ ثقافى واضح فى الكتلة الشرقية حينئذ ضد سلطوية موسكو وتسلطها فان عميد الصحافة المصرية والعربية الراحل محمد حسنين هيكل تناول أهمية الدور العالمى للفاتيكان فى كتابه "زيارة جديدة للتاريخ".
وها هو البابا فرانسيس بابا الفاتيكان يصنع تاريخا جديدا بزيارته المرتقبة لمصر واللقاء المهم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي..فمرحبا برجل يقف مع الإنسان فى كل مكان..مرحبا بالبابا المثقف وصاحب اللغة الجميلة التى تشبه شجن البنفسج..مرحبا بنصير الكادحين فى الأرض وصاحب لاهوت المحبة والأمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة