ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الأربعاء، كلمة خلال انعقاد الجولة الخامسة من جولات الحوار بين حكماء الشرق والغرب، بمشيخة الأزهر، رحب فيها بمجلس الكنائس العالمى، وبوفده الكريم الذى يمثِّل جميع الطوائف المسيحية فى العالَم، أكَّد فيها أنَّ هذا اللقاء الذى يعقد اليوم يأتى للنقاش حول «دور القادة الدينيين فى تفعيل مبادرات المواطنة والعيش المشترك»، وهو الموضوع المُرشَّح لأن يكون موضع اهتمام القادة الدينين فى شرقنا العربى والإسلامى، إذ هو التحدى الأكبر الآن فى ظل دعوات الإرهاب وتنظيراته التى تحاول أن تُضلِّل عقول الشباب شرقًا وغربًا وتُرسِّخ فى أذهانهم وتصوراتهم أفكارًا خاطئة حول دولة الإسلام، ومحاولة استعادة مفاهيم ومصطلحات تجاوزها الفقه الإسلامى والشريعة الإسلامية منذ سقوط «الخلافة العثمانية».
وأوضح الإمام الأكبر أنَّ نظام الخلافة الإسلامية فى الأزمنة الماضية كان يقضى بأحكام تشريعية معينة -اقتضاها منطق العصر آنذاك-فيما يتعلق بحقوق غير المسلمين فى دولة الخلافة، فمن المنطق، بل من فقه الإسلام نَفْسِه، أن هذا النظام السياسى حين يتغير فبالضرورة تتغير معه أحكام كثيرة، -أو قليلة- ارتبطت بهذا النظام وقامت على أساسها علاقة غير المسلمين بالدولة الإسلامية، مشيرًا إلى أنَّه فى ظل هذه التحديات تصبح قضية «المواطنة» هى القضية الأولى التى يجب أن يَتحدَّث فيها قادة الأديان، لأنها الرد العملى على هذه «الأوهام» التى تجد من الدعم المادى والأدبى ما خيّل لهؤلاء المتوهمين، أن العمل على تحقيق هذه الأوهام جهادٌ فى سبيل الله وعَوْد بالإسلام إلى عصور المجد والعزة.
وقال شيخ الأزهر:" ليس هناك من شك فى أن المواطنة هى الضامن الأكبر لتحقيق المساواة المطلقة فى الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين، والأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين عَقَدا معًا مؤتمرًا فى فبراير الماضى عن «الحُرية والمواطنة.. التنوع والتكامل» وأُعلِن فيه لأول مرة فى تاريخنا الحديث أن نظام المواطنة، نظام إسلامى خالص، طبَّقه النبى ﷺ فى أول دولة إسلامية وهى دولة المدينة المنورة، نظرًا لأن المواطنة وتساوى الحقوق والوجبات قائمة بالفعل فى المجتمعات الغربية كان التحدى الأكثر حضورًا هناك هو «التصدى» لظاهرة الإسلاموفوبيا، وهى ظاهرة شديدة الخطر إذا ما تُركت تتدحرج مثل كُرة الثلج ولم تواجَهْ ببيانِ حقيقةِ الأديانِ وفلسفاتِها ومقاصدها فى إسعاد الإنسان والارتقاء به فى مدارج الكمال الروحى والعقلى والخُلُقى، محذرًا من أن تتطور ظاهرة «الإسلاموفوبيا» اليوم إلى ظاهرة «الدينوفوبيا» فى الغد القريب.
وشدد الإمام الأكبر على أنَّ مشكلة الأديان السماوية اليوم لا يُمكِن أن تُحلَّ بالانشغال بالصراع فيما بينها، وإنما الخطوة الأولى للحل هى إزالة ما بينها من توترات، ومن مواريث تاريخية لا يصح أن نصطحب آثارها السلبية، أو نستدعيها فى الوقت الذى نواجه فيه نُذر معركة طويلة مع أعداء الأديان.. وأمام وحش يُعِدَّ نفسه جيدًا لالتهام الجميع، ومن أجل هذه الغاية التى نضعها نصب أعيننا، وأعنى بها: التعارف والتفاهم بين المؤسسات الدينية، سعى الأزهر بنفسه للقاء قادة المؤسسات الدينية الكبرى فى أوروبا فى الفاتيكان ولندن وجنيف وفلورنسا وباريس وبرلين، وأوفد قوافل السلام طافت كثيرًا من عواصم العالم فى آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا.
وطالب الإمام الأكبر بالحذر من أكاذيب الإعلام التى تربط الإرهاب بالإسلام، وتتهم المسلمين باضطهاد مواطنيهم من إخوتهم المسيحيين، وأن الإسلام - أو الأزهر فى أحدث مسرحياتهم المفضوحة - وراء التفجيرين الإرهابيين الأخيرين، فمثل هذه الأكاذيب لم تعد تنطلى على عاقل يقرأ الأحداث وما وراءها قراءة صحيحة، إذ إنَّ الحقيقة التى يثبتها الواقع ثبوت أرقام الحساب هى أنَّ الإرهاب يقتل المسلمين قبل المسيحيين، وستعلمون بعد ذلك أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأنه لن يبالى فى تعطشه للدماء أدم مسلم هذا الذى يسفكه أم دم مسيحي؟ فالغاية عنده ضرب استقرار الأوطان، ولتأت الوسيلة من مسجد أو كنيسة أو سُوق أو أى تجمع للبسطاء الآمنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة