«تفتكر ممكن نوصل المقطوع/ نرجع لأول ما ابتدينا الخط».. لم ألتق الشاعر الكبير عبدالناصر علام سوى مرتين فى حياتى، ولم أتحدث إليه مباشرة أبدًا، فقط كنت أجلس بعيدًا أراقبه، وأستمع إلى شعره العذب الجميل، معجبًا بما يقوله وبما يكتبه.
«شفت عساكر دورية/ بتدور ع الحرامية/ حرامية عينى عينك/ وشايفهم أو شايفينك».. المرة الأولى كنا فى جامعة أسيوط، التى أعلنت عن مهرجان شعرى لشعراء الصعيد، وفى المدرج الكبير الممتلئ بمحبى الشعر، وبطلبة كليتَى الآداب والتربية الذين جاءوا بأمر من أساتذتهم، جلس الشاعر الشاب عبدالناصر علام بجانب عزت الطيرى، وسعد عبدالرحمن، وشعراء غيرهم لا أتذكرهم الآن، الجميع قالوا الشعر وصفقنا لهم، لكن عندما قال عبدالناصر علام قصيدته الشهيرة التى مطلعها «شفت عساكر دورية»، اشتعل المدرج بالحماس كأنها مظاهرة، وكلما انتهى «عبدالناصر» من مقطع منها صفق الطلبة وهتفوا له، وبعد انتهائها طلبنا منه أن يعيدها مرة ثانية.. كان هو نجم المهرجان الوحيد، وقصيدته ظلت عالقة فى أذهاننا، نتبادلها سرًا وعلانية فى المدينة الجامعية، نختم بها ليالى السهر، ونقولها لأهلنا فى البيوت.
«فاهم بمزاجى مصهين/ ع السراق المتمكن/ فى جيوبه عما يدكن/ وف عينه غدر العالم».. رغم مرور السنوات، لا أنسى هيئة عبدالناصر علام فى ذلك اليوم، كان شابًا موفور الصحة، ملامحه الجميلة نموذجية لأبناء الصعيد بسمرتهم المحببة، وملامحهم الواضحة، وطيبة أصواتهم.
«والبلطة فى الجنينة بتقطع فى الثوابت/ وترضع فى الأفاعى/ وإن مرة العضة خابت/ تتلف فوق دراعى»... من بعدها ظللت شغوفًا بشعر عبدالناصر علام، ومتتبعًا لدواوينه قدر الإمكان، ومنها «انزفنى، عيال أخرى، دق القلوب، ولسه هتتحمل هزايم، دلوقتى أقدر، روحك تنط لتحت»، ومن قبل ظللت معجبًا بتبنى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى لموهبته المميزة.
«الغدر جاى امته/ قال جاى ف كل حتة/ طاب راكب ولا ماشى/ طب ليه الدنيا ساكتة».. المرة الثانية التى رأيت فيها عبدالناصر علام حدثت منذ أكثر من عام، فى المجلس الأعلى للثقافة، وكان بصحبة الشاعر عزت الطيرى، فى يوم غريب جدًا، حدث الكثير من الهرج والمرج فى لجنة الشعر، وانتشر الكثير من التعليقات التى لا فائدة منها، والتى شارك فيها الجميع ما عدا عبدالناصر علام الذى جلس متزنًا، قال قصائده وجلس يستمع، وجلست بعيدًا منصرفًا عما يحدث بتأمله.. دب الشيب فى شعره، وظهر أثر التعب على ملامحه، لكننى رأيت روحه الجميلة لا تزال مشتعلة تحت هذا الإجهاد البادى عليه، وحينها تذكرته، رغم السنوات وصفقت له.
«طارة غربالى اتكسرت/ وما عدتش شايف حاجة/ لفى يا طارة يا لفافة».. يقولون إن عبدالناصر علام مريض فى مستشفى أورام سوهاج، وأقول له «قاوم أيها الشاعر الجميل المميز، الجميع يدعو لك، والشعر الذى فى قلبك محصّن لك ضد المرض وألمه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة