تقول الصحف والمواقع الإخبارية، “إن سربا من الغربان قام بمهاجمة نسر وظل يطارده فى سماء مدينة كفر الشيخ يوم الأحد الماضى، ولم يجد النسر المسكين حلا سوى الالتجاء إلى مبنى المحافظة، بحثا عن الحماية".. البعض يرى أن الحكاية طريفة ومضحكة لكننى أعتقد أن فى داخلها دلالات ومعنى كثيرة وخطيرة.
فى سنة 2015 فى مدينة سيبيك بولاية واشنطن الأمريكية التقط المصور "فو تشان" مجموعة صور غريبة لأحد الغربان واقفا بشكل ثابت فوق ظهر نسر أصلع طائر فى السماء، يومها استغرب المصور من ردة فعل النسر الذى بدا غير متأثر بالغراب الجالس على ظهره، واستمر فى التحليق كما أن شيئا لم يحدث.
ربما يفاجأ الكثيرون وأنا منهم، بمعلومة مهمة جدا، وهى أن الغراب لا يخاف من الصقور أو النسور، بل يلجأ دائما لمضايقتها بطرق شتى، خاصة فى حالتين، الأولى حماية لأبنائه الصغار، عندما يرى نسرا أو صقرا فى الأجواء القريبة من عشه فهو يظل يحوم حوله حتى يبعد النسر خارج منطقته، والمرة الثانية عندما يكون لدى النسر فريسة ما، فالغراب يظل يقترب منه ويبتعد عنه حتى يمل النسر من هذه الحركات المستفزة فيترك ما تبقى من فريسته ويغادر حينها يقترب الغراب ليحصل على ما تبقى منها.
العلاقة بين النسر والغراب غريبة حقا، لكن ما لفت انتباهي، أنه حسب كتب الحكايات القديمة لا يملك الغراب شخصية مستقلة، فهو دائما مغرم بتقليد الآخرين وصنع ما يصنعون، كما أنه دائما يفشل فى ذلك، تقول إحدى الحكايات "إن غرابين كانا يقفان على غصن شجرة، فشاهدا نسرا ينقض على قطيع من الغنم ويختطف "حملا صغيرا" ويطير به فى السماء، فقال أحد الغرابين "يا له من نسر بطل!.. لقد هزَّ قلوب الحملان كلها، بل هزَّ قلوب الرعاة! سأفعل مثلما فعل"، قال الآخر "بماذا تفكر يا صديقى، أنت غراب ولست نسرًا، ليفتخر النسر بنفسه كنسرٍ، ولنعتز نحن بجنسنا كغربانٍ، لا يقلد النسر غرابًا، ولا يليق بالغراب أن يقلد نسرًا" بالطبع لم يستمع الغراب للنصيحة وهجم على أحد الحملان، فعلقت قدميه فى "الصوف الغزير للخروف" ولم يستطع الطيران فانتبه إليه الراعى وأمسك به ووضعه فى قفص صغير وأهداه لابنه كى يلعب به.
ما يقلقنى فى مطاردة الغراب للنسر شيء خطير، فهو يؤكد أن المجد لأنصاف الموهوبين وللطماعين، فالغراب جنس من الطيور تجذبه الأشياء اللامعة والملونة حتى لو لم يستفد منها بشكل مباشر، لذا ليس غريبا أن يجد الناس فى أعشاش الغربان قطع الصابون الملونة والأشياء المذهبة اللامعة، فقط من باب الطمع والأذية، والأزمة أن يكون المجد القادم للغربان.