ماهر المهدى

برلين مرة أخرى

الجمعة، 28 أبريل 2017 09:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحل ونس الى ألمانيا مع أسرته قبل سنوات بعدما كان أبوه يتردد عليها لأعمال متقطعة . فقد كان ألأب مهندسا طموحا ناجحا في عمله ، ودأبت شركته على ابتعاثه الى ألمانيا كلما دعت الحاجة الى ذلك لينهي عملا أو يبدأ عملا أو يتعاقد على شىء مما تتعامل فيه الشركة من معدات وأجهزة . وعندما قارب الأب على بلوغ سن المعاش أراد أن يكافىء نفسه وزوجته ابتسام وولده ونس وابنتيه سيليست وسولي بالانتقال الى ألمانيا والاقامة فيها وبدء حياة جديدة أيسر وأكثر بشرا لنفسه ولأولاده . ولم يلق الأمر اعتراضا من الأسرة ، لا لأنها لا تأبه لمصر بلدها ، ولكن لأنها تؤمن بأن السعى حق وأن الوطن في القلب .
 
كان ونس في العشرين عندما تنازل عن الجنسية المصرية وحصل على الجنسية الألمانية وجواز السفر الألماني وفقا لنظام التجنس في ألمانيا . وارتاح ظن ونس الى نصيحة صديق مصري بأن يسارع الى طلب استعادة الجنسية المصرية - مع طلب الاذن بالاحتفاظ بالجنسية الألمانية - خلال سنة من التنازل لكي لا تدرك السلطات الألمانية الخدعة ويكون لونس كلا الجوازين والجنسيتين المصرية والألمانية . وأسرع ونس في تنفيذ خطته الصغيرة الخطيرة فاستعاد جواز السفر المصري خلال أشهر ، وصار مواطنا ألمانيا في ألمانيا ، ومواطنا مزدوج الجنسية في مصر . وصارت الأيام بونس وأسرته من سعيدة الى أسعد في الحياة وفي الدراسة .
 
في الدراسة ، التحق ونس بكلية الهندسة المعمارية التي كان يمني نفسه بها منذ الطفولة ، وصارت لغته الألمانية في تطور متلاحق ومعرفته الهندسية وطموحاته أيضا . وفي الحياة ، غامر ونس كثيرا مع هذه وتلك . هذه من تلك البلاد وتلك من هذه البلاد ، وراح قلبه ورجع عشرات المرات ، حتى تعب وارتاح عند قدمي كلوديا الجميلة التي ذهبت بعقله عندما رأها برفقة بعض أصدقائه المقربين وأسرته فلم ينظر الى فتاة أخرى . فكلوديا ساحرة الطول والبشرة والضحكة والشعر والروح كحياة جديدة مشرقة لم تلمس من قبل ، ولم يعرف قلبها ألما . وفرحت كلوديا باعجاب ونس ذي الشعر الأسود القصير والعينين البراقتين بالطاقة والأمل . وراح ونس وكلوديا يثبان معا فوق أكتاف الأيام والأسابيع والشهور والسنين وهما يطرقان أبواب الفرح ويستطلعان أغوار الاثارة ويستثيران أبواب الغد كي تفتح لهما قبل حلول الغد ذاته ، ويسهران الليل حتى يتعب الليل ويشتكي الى النهار منهما . وبات واضحا - للأسرة وللجميع - أن كلوديا وونس زوجان حاليا وعائلة جميلة مستقبلا . لم يكن في الأفق أبرع من ذلك لم أراد ، بينما يوشك ونس وكلوديا على الانتهاء من دراستهما والوثوب الى حياة الكبار والى الأماني التي رسمت وصورت ولونت بكل ألوان الحبور . 
 
في جلسة من جلسات المساء ، قالت الأم وهى تضحك : انني أبحث لك عن عروس في مصر يا ونس . عروس جميلة تحفظك وتحافظ عليك وتفهمك وتنجب لك أولادا مصريين . وضحك الجميع وعلقوا على ذلك وهم يتناولون بعض المأكولات الخفيفة ، وكأن أحدا لم ير كلوديا ولم يسمعهاا . حتى ونس ، راح يضحك ويزايد على كلمات أمه : بل ابحثي عن عروستين ، فواحدة لا تكفي يا أمي ، وأنا مهندس وخريج الجامعات الألمانية . 
 
لم تكن قصة العروس المصرية مزاحا ، بل واصل ونس وأمه الحديث وراحا يناقشان الأسماء المطروحة لبنات معروفة لهما في مصر ويستبعدان هذه ويدققان في هذه ، حتى توقفا عند سما التي لاقت اعجابهما ونالت مباركة الأسرة لاحقا . ولم يحر ونس في أمر كلوديا كثيرا ، بل اتصل بها وأبلغها أنه سيتزوج من مصرية كما تريد عائلته . وجنت كلوديا لسماعها هذا الكلام ، وملأت دموعها الدنيا وشق صراخها قلوب كثيرين ممن عرفوا قصتها هى وونس ، ولم يفهموا مرمى ونس ، لأن الانسان انسان .
عاد ونس وأسرته من القاهرة بعد رحلة قصيرة شهدت زواج ونس بعروسه سما الجميلة خريجة العلوم السياسية التي طالما حلمت بالسفر الى الخارج وتحقق حلمها في العريس الألماني . ومضت حياة الزوجين ونس وسما تشق عباب الحياة شيئا فشيئا ، ومدارك سما تتغير وتتشكل من جديد في وسطها الأوروبي ، وونس يمني نفسه بالأسرة المصرية في ألمانيا ويمني نفسه بقصة الحب والسعادة مع سما كما عاشها لسنوات مع كلوديا ، ويكذب نفسه كلما عنت له ملامح اختلاف بينه وبين زوجته ، ويكذب نفسه كلما أحس أن سما بعيدة بعد السما عن روحه وعن قلبه وعن قكره . 
 
شكى ونس الى أمه والى أسرته ما يلاقيه من زوجته وعنادها واختلافها معه ، وحكى لهم ما يعانيه من قلة راحة في زيجته ، والجميع يواسيه ويوصيه بالصبر ويعده بالخير لاحقا ، وبأنهم سيتحدثون اليها . ولم يكن في سما عيب ، ولكنه اختلاف الطبائع وتنافر الأرواح التي لا تتقابل ، كما غنى فريد الأطرش الجميل رحمه الله : معقول نلاقي محبوب ومش معقول نلاقي اتنين . 
 
ضج ونس بزوجته سما وباختلافها معه وباختلافه معها ونفد صبره وراح يصرخ ويهدد ويتوعد بأن يعيد الجميلة المصرية الى بلدها مثلما أتى بها الى ألمانيا . ولم تكن سما كسيرة ، بل طيبة ذكية لا تقبل اهانة كما علمها أهها فصمتت . وفي يوم وقفت سما أمام السلطات الألمانية المختصة تروي قصة التهديدات وتروي قصة جوازي السفر المصري والألماني اللذين يحوزهما ونس دون حق ، لتقوم السلطات – على الفور باستدعاء ونس لتسليم جواز السفر الألماني – وتنطلق سما حرة الى سماء ألمانيا التي حزنت لحزن كلوديا وبكت لدموعها الكثيرة .






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة