أعتقد أن السبب الحقيقى وراء التفوق الأمريكى، عدم وجود نوعيات من البشر ممن نطلق عليهم «الحشرية» و«المتطفلين»، ممن ابتليت بهم مصر منذ عدة سنوات، فأغلب الشعب الأمريكى يعمل ثم يعمل ولهذا تقدمت أمريكا، وأعتقد أن هذا الشعب ليس بينهم مراهقون ولا متطفلون لأن عجلة الإنتاج لا تتوقف لهذا تقدمت أمريكا، واليوم نواصل نشر الدراسة التى قدمها الباحث هيثم قطب، حول أسباب التفوق الأمريكى حيث قال إنه من الضرورى اعتبار عام 1982 هو نقطة التحول الحقيقية للتعليم الأمريكى، مما أدى إلى إحداث طفرة قادت الدولة إلى تسيد تكنولوجى امتد من التسعينيات إلى الآن، فى هذا العام وجد الأمريكيون أن طلابهم متأخرون بشدة فى الرياضيات والعلوم الطبيعية، وأنهم ينهزمون فى أغلب المسابقات الدولية التى يشتركون بها خصوصًا أمام طلبة اليابان وأوروبا وكوريا الجنوبية، وضع كهذا فهم المسؤولون أنه سيؤدى إلى تأخر على كل الأصعدة لأن الرياضيات والفيزياء بالذات هما أساس أى تقدم تكنولوجى وتقنى، مما سيؤدى بالتالى إلى تراجع الولايات المتحدة عن مكانتها إن عاجلًا أو آجلًا.
رونالد ريجان الرئيس الأمريكى حينها أصدر قرارًا بتشكيل البيت الأبيض للجنة من ثمانية عشر شخصًا مثلوا صفوة الخبراء التعليميين والتربويين فى الولايات المتحدة، هذه اللجنة مكثت عامًا كاملًا تقريبًا ثم خرجت بأحد أهم وثائق التعليم فى التاريخ الحديث وهى «A Nation At Risk» أو «أمة فى خطر»!
هذه الوثيقة- أو بالأحرى التقرير- احتوت على ثمانٍ وثلاثين توصية تفصيلية لإعادة هيكلة التعليم الأمريكى بالكامل، أهم مشكلة ركز عليها التقرير كانت «تأهيل المعلمين»، لذلك أوصت اللجنة بدراسة أوضاع المعلمين ومشكلات وثغرات النظام الفيدرالى الأمريكى لحلها ومن ثم تحسين أوضاع المعلمين المادية والمعيشية وكفاءتهم التعليمية.
هذه المرحلة حددها خبراء أمة فى خطر بثلاث سنوات على الأقصى، بدأت بعد إصدار التقرير مباشرة فى 1983، وانتهت فى عام 1986، حددت فيها المشكلات ثم بدأت خطوات حلها سواء بتغييرات جذرية فى النظام أو بابتكار اختبار الكفاية الأمريكى للمعلمين، وهو اختبار متعدد المراحل لتقويم وتقييم المعلمين، وبعدها بعامين وفى 1988 كان الاختبار مطبقًا فى أربع وأربعين ولاية أمريكية مع هيكلة أدت لرفع دخل المعلم من 7423 دولارًا سنويًا «بواقع 618 دولارًا شهريًا فقط» إلى 26551 دولارًا سنويًا «بواقع 2212 دولارًا شهريًا» حينها.
بعدها كانت المرحلة الثانية «تغيير المناهج»، واستمرت فى أساسها لأوائل التسعينيات، وكانت معنية بتغيير مناهج الرياضيات والفيزياء والكيمياء لمواكبة تقدم الدول الأخرى فى هذه المجالات، وكان هدف المرحلة هو الانتهاء بالطالب الأمريكى فى المركز الأول عالميًا.
حاليًا التعليم الأمريكى الأساسى «ما قبل الجامعى» متأخر بشدة، وتبعًا لبرنامج تقييم الطلبة الدولى «PISA» الصادر من منظمة التعاون الدولى والتنمية «OECD» فإن متوسط نقاط الطلبة الأمريكيين وقوتهم فى الرياضيات والعلوم ومعدلات القراءة لديهم أقل من أكثر من عشرين دولة تأتى على رأسها الصين، فمثلًا فى الرياضيات نجد الولايات المتحدة حاصلة على 481 نقطة، وهو أقل من متوسط البرنامج «494»، والمدينتان الوحيدتان اللتان تعدتا المتوسط هما ماساشوستس وكونيتيكت بـ514 و506 نقاط على الترتيب، أما ترتيب الولايات المتحدة عالميًّا فهو المركز الـ20 حسب بعض التصنيفات!
عن طريق التعليم العالى الذى تأخذ فيه الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالميًّا منذ أكثر من عقد، فهى تمتلك متوسط من 28- 30 جامعة من ضمن أفضل مائة جامعة فى أغلب التصنيفات العالمية، وتمتلك ست جامعات من أفضل عشر جامعات فى العالم، ومنها أفضل معهد تكنولوجى وهندسى وهو «ماساتشوستس».
التعليم الجامعى فى الولايات المتحدة مرتفع الثمن فى كليات النخبة التى يبلغ متوسط تكاليف الدراسة فيها مبلغًا يقارب الثمانين ألف دولار للبرنامج الواحد، هناك بعض الجامعات «كهارفارد» تتعدى فيها تكلفة دراسة برنامج إدارة أعمال واحد المائة ألف دولار، أما بقية الجامعات فتتراوح بين مبالغ من 10 آلاف دولار للجامعات الصغيرة إلى 40 ألف دولار أو أكثر للجامعات المتوسطة.
تتصدر الولايات المتحدة دول العالم فى الإنفاق على البحث العلمى والتطوير «R&D»، على مستوى نسبة الإنفاق إلى الدخل القومى، فالولايات المتحدة أنفقت فى 2014 ما نسبته 2.79 من دخلها القومى، وربما نجد كيانات أخرى تنفق أكثر كإسرائيل وألمانيا وفنلندا، لكن النسبة: حجم الدخل القومى تجعل الولايات المتحدة فى الصدارة بإنفاق على البحث العلمى فى كل المجالات يتعدى الـ627 مليار دولار فى العام، أما فى نسبة المهندسين والتقنيين فهى تمتلك ثانى أعلى نسبة عالمية بعد إسرائيل، مع مراعاة فارق عدد السكان بالغ الضخامة بينهما «ثمانية ملايين إسرائيلى: أكثر من 320 مليون أمريكى».
ما تحاول الصين فعله الآن هو افتكاك الهيمنة الأمريكية من قارة آسيا لتصبح هى القوة المهيمنة عليها، عن طريق تحدى اليابان فى بحر الصين الجنوبى وإنشاء مؤسسات مالية موازية وإقامة تحالفات آسيوية ليس فيها الولايات المتحدة كمنظمة شانغهاى مثلًا، ثم فيما بعد تبدأ فى تحدى الاقتصاد الأمريكى على المدى البعيد.
هذه أحلام مشروعة تمامًا لدولة تمتلك من التخطيط والموارد ما يمكنها لذلك، لكنها تحتاج لنفس طويل فضلًا عن قدرات لا تمتلكها أى دولة فى العالم حاليًا بأى شكل ولا مستقبلًا على المدى المنظور، الهيمنة الأمريكية تتراجع بفعل صعود الآخرين «الصين/ الاتحاد الأوروبى» الاقتصادى أو بسبب قوة عسكرية ونفوذ إقليمى وموارد طاقة «روسيا»، لكنها فى النهاية ستبقى فى موقعها لفترة من الزمن منها بالتأكيد لنهاية هذا العقد، ربما تغير الصين شكل النظام العالمى ويبدو أنها ستنجح فى ذلك، لكن تغيير ترتيب أحجار الهرم شىء والجلوس على قمته شىء آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة