يجلس البابا تواضروس الثانى على سدة كرسى مارمرقس، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أحد أعرق الكنائس التقليدية فى العالم والتى تلقب نفسها بحامية الإيمان إزاء انغلاقها على نفسها بعد الخلافات التى ضربت العالم المسيحى فى أعقاب مجمع نيقية عام 325 م فقررت الكنيسة الانغلاق على نفسها وحماية معتقداتها، كذلك فإن الكنيسة الكاثوليكية على رأسها الفاتيكان تصنف أيضا من الكنائس التقليدية مقابل الكنائس غير التقليدية كالكنائس البروتستانتية الإصلاحية.
مع ذلك، فإن البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان يتمتعان برؤى مجددة حتى وإن كان وجودهما على رأس كنائس تقليدية يحد من تلك الرؤية إلا أن توجهاتهما تكشف بوضوح عن ذلك.
البابا تواضروس ومنذ توليه البطريركية يحرص على مد جسور الود والعلاقات الأخوية مع كافة كنائس العالم حتى تلك المختلفة مع الكنيسة القبطية عقائديا ورغم ما يسببه له ذلك من انتقادات ليس أدل على ذلك الجدل الذى صاحب لقائه برئيسة أساقفة الكنيسة اللوثرية السويدية بعدما صلى معها فى السويد أثناء زيارته هناك، بالإضافة إلى رغبة البابا الملحة فى تجديد قوانين الأحوال الشخصية بالكنيسة المصرية واستصداره قرار من المجمع المقدس يوسع من أسباب الطلاق المسيحى بعد سنوات من المعاناة لآلاف الأقباط نتجت عن التمسك بالمقولة الكلاسيكية "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، لتصبح إلى جانب الزنا، الهجر وسوء المعاملة والإدمان والإلحاد وغيرها.
أما البابا فرنسيس الذى قاد مصالحة تاريخية مع الفرقاء اللوثريين بعد قطيعة دامت 500 عام، فهو يحرص أيضًا على علاقات أوسع مع كافة الكنائس فى العالم، كذلك فإن بابا الفاتيكان حاول التسهيل على العائلات المسيحية الواقعة فى فخ بطلان الزواج الكنسى، حيث أقر تشريعات كنسية جديدة تسهل من افتراق الزوجين بدلا من الانتظار سنوات طويلة فى ساحات المحاكم الكنسية.
البابا تواضروس والبابا فرنسيس أقرا يوم العاشر من مايو من كل عام يومًا للمحبة الأخوية بين الكنيستين، حيث يتبادلان الوفود ويصليان معا صلاة مسيحية من أجل الوحدة الأولى فى دير الأنبا بيشوى حيث المقر الباباوى والثانية فى القصر الرسولى بروما فى دولة الفاتيكان.
فكرة "يوم المحبة الأخوية" أطلقها البابا تواضروس الثانى خلال زيارته لبابا فرنسيس بالفاتيكان فى 10 مايو 2013 وهو نفس تاريخ زيارة البابا شنودة الثالث للبابا بولس السادس بابا الفاتيكان عام 1973، حيث اتفقا على تخصيص يوم 10 مايو من كل عام يوم للمحبة والصداقة بين الكنيستين.
لا يمكن لبابا الفاتيكان أن يزور مصر دون أن يمر بكنيستها الأرثوذكسية الكبيرة والعريقة، لذلك فإن بابا الفاتيكان وضع زيارة البابا تواضروس ضمن جدول زيارته لمصر، ليصبح لقائهما قمة للباباوات المجددين بالكنائس التقليدية.
فرنسيس يرأب صدع لوثر فى جدران الفاتيكان
وكمن يداوى جرح مفتوح منذ نصف قرن، ذهب البابا فرنسيس فى أكتوبر الماضى إلى لوند المدينة الواقعة على الحدود السويدية الدنماركية، ليحتفل مع اللوثريين بمرور 500 سنة على الإصلاح الإنجيلى أو انشقاق مارتن لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية التى يمثلها بابا الفاتيكان فى رواية أخرى.
البابا فرنسيس، إلى جوار المطران منيب يونان رئيس الاتحاد اللوثرى العالمى أرادا أن يربأ صدع أرهق ملايين المسيحيين فى العالم على مدار سنوات طويلة، الانشقاق الذى قاده مارتن لوثر القس الألمانى وانبثق منه عشرات الكنائس الإنجيلية المصلحة فى العالم، رأى البابا فرنسيس أن وجودها واقعًا حتميًا، لذلك فإن الخصومة لا تفيد بعد أن سار وراء صيحة لوثر ملايين المسيحيين الموزعين فى جنوب الكرة وشمالها.
البابا فرنسيس ذهب بنفسه ليحيى ذكرى الإصلاح الإنجيلى فى بادرة غير مسبوقة حيال البروتستانت، حيث سلّط "لقاء لوند" "الضوء على التطورات المتينة بين الكاثوليك واللوثريين والنقاط المشتركة التى تم التوصل اليها بفضل الحوار"، خصوصا منذ المجمع الفاتيكانى الثانى (1962-1965)، وجاء فى بيان مشترك للمجلس البابوى للترويج لوحدة المسيحيين والاتحاد اللوثرى العالمى. وقال: "يقام هذا الحدث، تمهيدا للذكرى الـ 500 للاصلاح سنة 2017".
البابا فرنسيس أعرب مع كبار أساقفة الكنيسة اللوثرية فى العالم عن الأسف العميق حيال عمليات القتل من جراء الانقسام بين المسيحيين قبل 500 عام، داعين إلى مواصلة الحوار نحو الوحدة.
وقال البابا يحيط به القساوسة اللوثريون أثناء صلاة مسكونية أى تجمع الكثير من الطوائف فى الكاتدرائية اللوثرية فى لوند: "إننا بحاجة إلى أن ننظر بصدق ومحبة إلى ماضينا والاعتراف بخطايانا ونطلب الصفح"، مضيفًا"بكل امتنان، نعترف بأن الإصلاح ساهم فى وضع الكتاب المقدس بشكل مركزى فى حياة الكنيسة". ودعا إلى "عدم الاستسلام للانقسامات والابتعاد الناجم عن الانفصال مستكملا: لدينا فرصة لإصلاح لحظة حرجة فى تاريخنا، والتغلب على الخلافات وسوء الفهم الذى كثيرا ما منعنا من تفهم بعضنا البعض".
وشكلت زيارة البابا للوند مفاجأة داخل الفاتيكان. واعرب البابا مرارا عن احترامه للكنائس البروتستانتية، لكن من دون التستر على الخلافات اللاهوتية المختلفة والمواقف المتباينة، فى ظل تطور المجتمعات وإظهار اللوثريين عموما تحررا أكبر، ومع نحو 70 مليون مؤمن فى العالم، تعد اللوثرية واحدة من أبرز الكنائس البروتستانتية وأقدمها وأعرقها.
عن ذلك قال المطران منيب يونان رئيس الاتحاد اللوثرى العالمى لليوم السابع، أن شخصية البابا فرنسيس المحبة للرحمة والسلام هى التى ساعدت على رأب هذا الصدع، رغم رغبة الكنيسة اللوثرية فى التصالح مع الفاتيكان منذ عصر البابا يوحنا بولس الثانى وتشكيل لجان مشتركة بين الكنيستين لم تسفر عن جهود حقيقية إلا بيد البابا فرنسيس الذى أراد تحقيق حلم الوحدة المسيحية وبدأ بكنيسته الكاثوليكية الكبيرة مبتعدا عن اتهامات إقصاء الآخر وتكفيره ومعاقبته عقابا تاريخيا يبتعد عن روح المسيحية السمحة فالكنائس جميعا أعضاء فى جسد المسيح الواحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة