هناك دروس مختلفة يمكن التقاطها من الانتخابات الفرنسية التى تحسم الأحد، أكثر من المنافسة بين مارى لوبان ممثلة اليمين المتطرف، وإيمانويل ماكرون الذى وصل إلى جولة الحسم ووجدت النخبة السياسية نفسها تقف خلفه، فى مواجهة لوبان، بالرغم من أن اليمين واليسار بتنوعاته والنخب السياسية التقليدية لم تكن ترى فى ماكرون تطابقا معها، فهو لا ينتمى لأى من المعسكرات التقليدية، ومتهم بخداع اليمين واليسار، لكن هؤلاء الذين رأوا فى ماكرون الأكثر قربا من مبادئ الجمهورية الفرنسية اختاروا الانضمام لمساندته، وهو درس للكثير من ممارسى السياسة لدينا، الذين يختلط لديهم الخاص بالعام، وينسون الهدف الرئيسى إلى خلافات وصراعات شخصية وفرعية.
إيمانويل ماكرون يكمل الأربعين فى ديسمبر المقبل، عمل موظفا فى مصرف روتشيلد آند سى، ودخل السياسة قبل 10 سنوات فقط حيث انضم للحزب الاشتراكى، ثم عين مستشارا لرئاسة الجمهورية الفرنسية مع الرئيس فرانسوا هولاند، ثم وزيرًا للاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمى، لكنه استقال العام الماضى بعد أن ترك الحزب الاشتراكى وأعلن عن تأسيس حزب إلى الأمام وهو حزب وسطى، وأعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وأصبح بعدها نجما صاعدا فى السياسة الفرنسية والأوروبية، وجاء بالمركز الأول بفارق صغير عن مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارى لوبان.
ماكرون ظاهرة سياسية منذ استقالته من منصبه الوزارى فى أغسطس 2016 ليؤسس حركة «إلى الأمام»، حيث اعتبره اليمين الفرنسى عميلا لليسار عندما انضم للحزب الاشتراكى، وبعد أن رشح نفسه لقبه محللى اليسار بأنه «بروتوس جديد»، نسبة إلى بروتوس الذى شارك فى قتل يوليوس قيصر، بالرغم من أن الإمبراطور الرومانى كان هو معلمه وولى نعمته، باعتبار أن الرئيس هولاند هو من ساند ماكرون ودعمه وعينه وزيرا للاقتصاد وقبلها مستشارا له فى قصر الإليزيه، قبل أن يقرر مغادرة الحكومة ثم ترشيح نفسه، ووقتها لم يكن هولاند قرر عدم الترشح، خلافات واتهامات النخبة السياسية لماكرون بالانقلاب على هولاند والاشتراكيين، لم تمنعهم من مساندته فى مواجهة مرشحة اليمين المتطرف.
ماكرون ربما يعد من أقل السياسيين فى مدة عمله بالسياسة، وجرت العادة أن السياسيين مارسوا السياسة لعقود وسنوات قبل أن يلمعوا، لكن ماكرون ومنافسته كشفا أيضا عن حجم التغيرات فى تركيبة الانتخابات واتجاهات التصويت، وهى حالة لا تقتصر فقط على فرنسا لكنها تمتد إلى أوروبا ضمن موجات من التحول تواجه العالم، وتمثل تفاعلات لعقود ماضية من الصراعات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتحديات التطرف والإرهاب، فاليمين المتطرف المعادى للأجانب والهجرة، يعتبر رد فعل للإرهاب والتهديدات التى تمثلها داعش وتنظيمات الإرهاب. وهى تحولات لا تخص أوروبا وحدها، لكنها تتعلق بما يجرى فى الشرق الأوسط وتعد أكبر تحولات بعد الحرب الباردة.
وتنعكس هذه التحولات، على شكل وحجم واتجاهات التصويت فى الانتخابات، وتمثل دروسا لمن يريد فى السياسة والديمقراطية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة