كرم جبر

عدالة السماء نزلت فوق رأس قاضى الحشيش!

الإثنين، 03 أبريل 2017 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصعب من المؤبد الذى عوقب به قاضى الحشيش، هو أن ينهال عليه سائق سيارته صفعا وركلا وتلطيشا و«شلاليت»، «الله يخرب بيتك وبيت اللى جابوك ضيعت مستقبلى وشردت عيالى»، فالسائق الذى ظن أنه بمنأى عن الخطر، وفى حظوة معالى المستشار ونفوذه وقوته، انهار فور نطق رئيس محكمة جنايات السويس، بسجنه عشر سنوات، وتلاشت المقامات والألقاب والمناصب والكراسى، تحت وطأة كابوس السجن المخيف، ونسى السائق المفجوع أنه كان ينتفض فزعا ليفتح باب السيارة لسيادة المستشار، ويضحك إذا ضحك ويحزن إذا حزن، ويقول له دائما: همسات سعادتك أوامر وإشارات معاليك حكم ومواعظ.
 
قسوة الأحكام الصادرة بحق قاضى الحشيش وسكرتيرته وسائقة، هى قمة العدالة معصوبة العينين، كان يجب أن يكون عبرة وعظة، لأنه يمسك الميزان الذى يحقق العدالة ويحاكم المجرمين، وينزل أشد العقاب بتجار المخدرات، لا أن يتاجر هو فى المخدرات، ويستغل منصته وحصانته فى عبور المنافذ الآمنية، مهددا من يستوقفه بالانتقام والتنكيل، ونجح فى الإفلات من منفذ أحمد حمدى مرتين أو ثلاثة دون أن يفتش أحد سيارته الممتلئة بالمخدرات.
 
البطل الحقيقى فى الإيقاع بقاضى الحشيش هو «كلب التفتيش» فى كمين أحمد حمدى، لم يخضع لتهديدات القاضى ووعيده، وأصر على فتح شنطة السيارة، وبرك أمامها كالقتيل لا يتحرك يمينا أو يسارا، رغم محاولات إبعاده عن الطريق، كلب شجاع لا يعترف بمناصب، ولا تهمه رتبا ولا تعنيه تهديدات، «هفتش، هفتش» ولم يتزحزح عن موقفه قيد أنمله، وانطلق بهمة ونشاط يفتح الشنطة ويخرج ما فيها، حتى حضرت الشرطة العسكرية، واقتادت القاضى والسيارة وسائقه وصديقته والأحراز، إلى النيابة وتحديد جلسة عاجلة للمحاكمة.
 
سرعة إصدار الحكم فى قضية قاضى الحشيش أثلجت الصدور وحققت الردع، ولم تضيع سنوات فى ابتكار فنون لتضليل العدالة واستنفاد الزمن، فالعدالة البطيئة تساوى لا عدالة، ولا تحقق الردع الخاص الذى يجتث الإجرام من جذوره، ولا الردع العام الذى يجعل أى إنسان يفكر ألف مرة قبل الإقدام على جريمته، وبقاء القضايا حائرة فى المحاكم سنوات وسنوات، يضيع مفهوم العدالة فيتجرأ المجرمون على التصويب نحو منصتها، وتشيع بين الناس سلوكيات الفوضى بكل أشكالها وصورها.
 
قاضى الحشيش الذى حكم على نفسه بالمؤبد، الحق بأسرته عقوبات أشد قسوة وتنكيلا، فلو كان له ابن يفخر وسط زملائه فى المدرسه وأنه ابن سيادة المستشار، لن يجد إلا السخرية والشماتة، وقد ينتهى الأمر إلى طرده من المدرسة حتى تزيح عن كاهلها وصمة أنها تضم ابن تاجر مخدرات، ولا تسألنى عن ذنب الولد، لا ذنب ولكننا مجتمع يحترف التحفز والتربص والشماتة، ولا يترك فرصة إلا واستثمرها وبث فيها من «عندياته» كل فنون الغلّ والتشفى والانتقام.
 
قاضى الحشيش الحق العار أيضا بزوجته، التى كانت تدخل العمارة شامخة ورافعة رأسها، ويتنطط أمامها وخلفها البواب حتى يكاد أن يكعبلها، «أمرك يا هانم، خدامك يا هانم» فأصبح البواب نذلا ونطعا، يتركها تحمل شنطة الخضار وهو جالس ولا يتحرك ولا يفتح لها باب الأسانسير، وسبحان المعز المذل، هذا جناه زوجها عليها وما تجنت على أحد، وتتوالى دوائر النذالة وعدم المروءة، ويا ويل من استقوى بنعيم السلطة، ثم ترميه على الأرض يستنشق عفنها وترابها.
 
لا تعليق على الأحكام القضائية ولكن لا مانع من استحسان مردودها، فمنذ اللحظة الأولى لضبط قاضى الحشيش، نزع عنه مجلس القضاء الأعلى حصانته، وجرده من منصبه الرفيع باستقالة فورية، ويا ويل القاضى الذى يقف أمام زميله متهما بجريمة، خصوصا إذا كانت تمس شرف المقام الوظيفى الرفيع، وتنثر رزازا يمس سمعة القضاء، فيصبح الجرم جرمين والفعل فعلين والعقاب عقابين، أحدهما على الجريمة الأصلية، والثانى على الأضرار التى تلحق بسمعة القضاء، وحضرت بنفسى تحقيقا فى التسعينيات، مع قاضى فى السويس اسمه «عبدالرحيم» كان متهما فى قضية لوسى آرتين الشهيرة، وكاد وكيل النيابة أن يفترسه وهو يحقق معه، ووجهه له إهانات بالغة وعبارات قاسية جعلته يبكى دموع الحسرة، لأنه لم يحافظ على سمعة القضاء والحق بها أذى.
 
لا توجد جريمة كاملة ولا عدالة كاملة، ولكن جريمة مكتملة الأركان وعدالة مكتملة الأركان، وجسدت قضية قاضى الحشيش نموذجا إيجابيا، فى تطبيق العدالة الناجزة، التى لا تضيع شهورا وسنوات فى المماطلة والتسويف وتضليل العدالة واختلاق الثغرات، ليفلت منها المتهمون ويفوزوا بجريمتهم، عدالة حققت للمتهم أن يقدم كل دفوعه وأسباب براءته أمام قاضيه الطبيعى، واستمعت بسعة صدر لأسانيد وحجج الدفاع، ولم تترك واقعة إلا أثبتهها وحققتها، وكانت فى نفس الوقت حازمة أمام محاولات إطالة أمد النزاع وتضييع الوقت، وعندما اطمأن ضميرها واستقرت عقيدها بثبوت الاتهامات فى حق المتهمين الثلاثة، أنزلت بهم أشد العقاب ولم تأخذها شفقة أو رحمة، فكيف تكون رحيمة مع حارس القانون الذى سطا على القانون، واستغل منصبه الرفيع فى ارتكاب أبشع الجرائم، التى تدمر الشباب وتنهك قواه المادية والعقلية والجسدية؟
 
القاضى لا يُمدح ولا يُذم، والاحكام لا تُنتقد ولا يُعلق عليها، والعدالة اختارت شعارها عينين معصوبتين، فلا تضعف أمام الغنى فتتركه، ولا تجور على الضعيف فتقيم عليه الحد.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة