فاطمة ناعوت

طوبَى لصُنّاع السلام

الأحد، 30 أبريل 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«فكأنما أحيا الناسَ جميعًا»، تلك الكلماتُ العجيبة هى خاتمة الآية 32 من سورة «المائدة»، وكلّما تأملتُ الآية الكريمة أصابنى الذهولُ، فرحًا، وخوفًا!
 
مَن ذا بوسعه أن يمنح الحياةَ لكائن حى، مهما كان ضئيلا ولو كان نملةً أو بعوضة أو وحيد خلية، فضلا عن أن يمنح الحياة لإنسان، أعظم الخلق وأرقاه، فضلا عن أن يُحيى الناس جميعَهم؟! مَن يمنحُ الحياةَ إلا اللهُ تعالى، الخالقُ واهبُ الحياة؟ هل يمتلكُ إنسان تلك المَلَكة الربوبية؟! حاشا لله، بل نعم. إنه مَن أسعده زمانه بأن يُنقذَ إنسانًا من القتل، أو يُنجّى نفسًا من الهلاك مرضًا أو جوعًا أو عطشًا، أو بردًا، أو يأسًا، أو يُتمًا، أو تيهًا، أو غيرها من مسببات الفناء والهلاك، ذاك هو الفائزُ العظيم من بين الناس، هو من أكرمه الله الأكرمُ بأن يجعله سببًا فى نجاة إنسان «واحد» من الموت، فيمنحه اللهُ مجدًا هائلا يكافئ مجد إحياء الناس جميعًا، فكأنما رقّى اللهُ ذلك الإنسانَ الطيب من درجة «المخلوق» إلى درجة «الخالق»، مجازًا ورمزًا، وهو تكريمٌ عظيمٌ من الربِّ للعبد، لا تكريمَ بعده. تلك رسالةٌ عذبةٌ مُغريةٌ من الله لبنى الإنسان لترغيب خليقته فى مساعدة المُعوزين ونجدة الملهوفين ومساندة ذوى الحاجة من المقهورين والفقراء والمرضى والتعساء.
 
وعلى النقيض من ذلك يُعظّمُ اللهُ من هول خطيئة القتل، أو المساهمة فى قتل نفس «واحدة»، فيرمى اللهُ ذلك القاتلَ التعسَ بإثمَ من قتلَ الناس جميعًا. وهو هولٌ عظيم وبلاءٌ فادح، لا هولَ ولا بلاءَ بعده. نعوذُ بالله منه. وفى ذاك رسالةٌ مخيفةٌ من الله تعالى لبنى الإنسان، لترغيب خليقته عن القتل وإفزاعهم من فكرة إزهاق الروح أو المساعدة فى إهلاك نفسٍ أو عدم محاولة إنقاذ مُحتضر أو مستغيث ملهوف ذى حاجة، هنا يكتملُ المعنى وتكتملُ رسالةُ الله لبنى الإنسان فى الآية الكريمة: «مَن قتلَ نفْسًا بغير نَفْسٍ أو فَسادٍ فى الأرض، فكأنما قَتَلَ النَّاسَ جميعًا، ومَن أَحْيَاهَا فكأنما أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا» صدق الله العظيم.
 
هنا، بوسعنا كمسلمين، أن نفهم المعنى العميق لإحدى وصايا السيد المسيح، عليه السلام، حين قال: «طوبى لصُنّاع السلام، فإنهم أبناءُ الربِّ يُدعون»، تلك كانت وصيته الأعظم للبشرية جمعاء، فوق الجبل وهو يُعلّم تلاميذه أن من صنع السلامَ وأشاعَه بين الناس، أحبَّه اللهُ، وتوّجه بإكليل البُنوة والخلافة. أى جعله خليفتَه فى الأرض وابنه «الرمزى». تمامًا كما جعل القرآنُ الكريم من المخلوق خالقًا «رمزيًّا»، كأنه أحيا الناسَ جميعًا، إذا ما أحيا نفسًا واحدة، كما قالت الآيةُ الكريمة السابقة. فالبنوةُ التى يقصدها السيد المسيح، لصُنّاع السلام، هى خلافةُ الإنسان لله على الأرض، ليصنع السلام بين الناس ويشيع قيم العِمارة والمحبة. وهذا مقصدُ الله فى الخلق حين أخبر ملائكته، قبل بدء الخليقة، بعزمه، تعالى، على عمارة الأرض بالحياة وخلق بنى الإنسان قائلا: «إنى جاعلٌ فى الأرض خليفةً» البقرة 30.
 
وكان البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، أحدَ أرقى صُنّاع السلام فى عالمنا اليوم. جاء إلى مصر، أرض السلام، فى لحظة صعبة، متحدّيًّا ما حدث، ويحدث، بها من كوارث إرهابية على يد صُنّاع الشرّ من بنى الإنسان. جاء مادًّا يده بالسلام كأنما يقول للعالم أجمع، لا بلسانه، بل بفعله: «هنا أرضُ سلامٍ، وستظل أرضَ سلامٍ، لأن اللهَ أراد لها أن تكون أرض سلام، فخصّها بالذكر الجميل فى الإنجيل والقرآن»، جاء البابا الطيب تلبيةً لدعوة طيبة من الأزهر الشريف بزيارة مصر الطيبة المباركة، فما تأخر. جاء داعمًا مصرَ وقت تخلّى عنها كثيرون، لماذا؟ لأنه تلميذٌ بارٌّ للسيد المسيح رسول السلام للعالم، عليه وعلى أمّه البتول السلام.
 

وفى تتمّة هذا المقال أقدّم للبابا رسالة:

«البابا فرانسيس الأول، أيها الأبُ العظيم الذى حملتَ بين يديك للعالم رسالةَ سلام ومحبة، كما حملها من قبلك السيدُ المسيح عليه السلام للعالم أجمع، تحية السلام عليك، أشكرُك لأنك راهنتَ على مصر الطيبة أرض السلام، ولم تصدّق الوشاة بأنه أرضُ إرهاب، أشكرك لأنك راهنتَ فى مصر على أمنك وسلامك بيننا، كما راهنتْ عليها من قبلك السيدةُ البتول عليها السلام، فتركتْ وراء ظهرها هيرودس وبُغضَه، ثم جاءت إلى مصرَ حاملةً فوق ذراعيها الطاهرتين وليدَها القدسىَّ لتحميه من بطش الطغاة فى الأرض المجاورة، ستجدُ أيها الأبُ الكريم على أرضنا ذاتَ السلامَ والدفء اللذين وجدتهما العائلةُ المقدسة على أرضنا الشريفة، دون حماية ولا حرس شرف ولا دروع واقية، وما حاجتها لحماية عسكرية وقد ظللها الله برحمته ومحبته اللتين كانتا غيمةً من نور تتبع الأمَّ العذراء البتول وطفلها النورانىَّ والقديسّ يوسف النجار، حيثما رحلوا وارتحلوا من شمال مصر حتى جنوبها؟! رهانُك أيها الأبُ الكريم لن يخيب، لأن ما يحدث على أرضنا الطيبة من وحوش الإنس عابرٌ غير مقيم، أما الثابتُ فهو سلامُ تلك الأرض الشريفة التى ستنقّى تربتَها من آفات الشرّ والبغضاء، بإذن الله ووعى شعبها الطيب، سلام الله عليك ورحمته وبركاته».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة