إن تقدير الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس السيسى قد يرتبط ليس فقط بشخص الرئيس السيسى وما يميزه من صفات الشجاعة والإقدام والإخلاص لبلده مصر، والحزم فى وقت احتاج إلى كل تلك الصفات مجتمعة، ولكنه يرتبط بشخصية المدرسة العسكرية المصرية وما جبلت عليه من خصال . فالسيسى هو تجسيد للقيم العسكرية المصرية تماما ، وليس شخصية مدنية تتحلى ببعض الخصال الطيبة .
من المتوقع أن يفتح هذا القبول بين الزعيمين أبوابا كثيرة ومطلوبة للتعاون بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ، برفع مستوى العلاقة إلى علاقة حليفين يشتركان فى الرؤى للحاضر وللمستقبل ، ويجدان – فى الواقع – فى نفسيهما عونا صادقا للآخر .
على أن هذا التقارب المصرى الأمريكى سوف يرتبط أيضا بتبنى الطرفين لقيم بعضهما البعض ، إذ إن الوصول إلى علاقات التحالف الوثيقة قد يستلزم اشتراك الطرفين فى قيم بناءة وانفتاحية وتدعو الى مزيد من التقدم والى مزيد من الحرية المنتجة والمشجعة للابداع والمحققة لأمن المجتمع واستقراره ، على أساس من قبول الآخر ، وعلى أساس من حرية الاختيار الإنسانى ، وعلى أساس من قدسية الحياة البشرية ، وعلى أساس من تقدير التنوع وتشجيعه - لأنه من صنع صانع الكون وخالقه - ولأن التنوع والاختلاف بين الناس ليس – فى الحقيقة – الا آية من آيات الله – سبحانه تعالى – فى خلقه بألوانهم ولغاتهم وأحجامهم وميولهم وأولوياتهم .
والطريق فى هذا الاتجاه طويل ومجهد ، ولكنه يستحق العناء ، شأنه قى ذلك شأن كل عمل هادف وجاد ويدور حول صالح المجتمع وأمنه وآماله واستقراره وتقدمه .
من ناحية أخرى ، فإن هذا الاقتراب المصرى الأمريكى الذى يصادف نجاح المؤسسة العسكرية المصرية فى خدمة البلاد وحمايتها من خلال مهامها العسكرية والتنموية مع احترام الحريات واحترام الدستور.
وقد يؤدى هذا التقارب المحمود والمطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطور القدرات والامكانات العسكرية المصرية ، لتصبح أكبر قوة واقتصادا، فالقوات المسلحة المصرية تمتلك عددا من المشاريع الاقتصادية الهامة وتمارس وظيفة اقتصادية هامة فى المجتمع المصرى من أجل الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته ، وحتى لا يكون الاقتصاد المصرى يوما رهينة فى يد افراد قليلين أو كثيرين وطنيين أو غير وطنيين ، وتصبح مقدرات البلاد فى خطر محدق . وقد نبع هذا الدور التنموى للجيش من ثقة الشعب المصرى فى جيشه ومن احساسه بولاء جيشه وثباته على حب الوطن وفدائه .
وبالمتابعة ، نجد أن نجاح الدور العسكرى فيما يسند اليه من مهام يتمحور حول الحفاظ على مصر الوطن وبقائها وتقدمها فى مسيرتها قد يعكس تميزا للدور العسكرى على الدور المدنى فى الدولة ، حيث تشوب المحسوبية العمل وتطغى الروح الفردية فى الأداء وتتبع الأمور مسار المصلحة الشخصية والعائلية والشللية الأنانية والضيقة النظرة ، والتى قد ترى بوضوح فيما يظهر فى بعض قطاعات الدولة من ملفات خاسرة أو نازفة أمام أعين الجميع .
ولا يخلو مكان فى الدنيا – طبعا – من واسطة أو مجاملة أو أنانية ، ولكن العبرة بعدم سيطرة هذه الأنماط السلوكية الانهزامية المدمرة للمجتمعات على مسار الأمور وغالب القرار ، والا سقطت المصالح العامة وتفشى الانفاق غير الحكيم وطفشت العناصر الطيبة الى القطاع الخاص أو الى بلاد أخرى فرارا بأنفسهم من ظلم وظلام الى بصيص من النور .
إن النجاح - فى كل شىء – يرافق النظام والصبر والمثابرة والاجتهاد واحترام الآخرين واحترام حقوق الاخرين راضيا أم آبيا . ولا عجب إذا فى أن تشد المؤسسة العسكرية المصرية الأنظار اليها ، وتستوجب التقدير لها ، خاصة وأنها مؤسسة تقوم على الحرفية ولا تسمح لأحد باتباع أية تيارات سياسية أو اتجاهات دينية غير مقبولة أو تشذ عن الوسطية السمحة .
ولكننا – فى ذات الوقت – نؤمن بدور الحياة المدنية وبأهمية العمل على اذكاء هذا الدور واعلاء شأنه ، من أجل مجتمع صحى ناجح وتتوازن فيه الفرص .
ان كيمياء السيسى وترامب التى نراها أمامنا واضحة – والحمد لله – بلا زيف ولا رياء ، قد تعنى لمصر حياة أرقى وأفضل وأقوى، وقد تعنى الفرصة لتصحيح بعض اختيارات الماضى التى لم تصب فيها مصر عين الصواب أو شغلت حينها عن النظر الى تلك الاختيارات.
ونحن نقدر للرئيس الأمريكى الشجاع اقترابه من مصر أكثر من سابقيه جميعا ، ونحب فى الرئيس الأمريكى مودته لرئيسنا السيسى وتقديره له بما يستحق ، ونتطلع – كما يتطلع الرئيس الأمريكى الشجاع دونالد ترامب صديق مصر – إلى علاقات مصرية أمريكية دائمة وأرفع وأقوى لصالح الشعبين الصديقين ولصالح الدول الصديقة والمجتمع الدولى .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة