هو خير دليل على أن «الناس معادن», فأصالته الدائمة وإشراقه الدائم وتألقه غير المنقطع وإجادته المعهودة، تخبرنا يقينا بأننا أمام رجل من ذهب، فنان قدير حقا، تنبع مقدرته من إخلاصه، وينبع إخلاصه من عشقه، وينبع عشقه من إدراكه بإمكانياته وإلمامه بتحدياته، نحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده الـ 72، وهو فى «عز شبابه» الفنى، وفى عز نجوميته التى يؤكدها، كلما وقف أمام الكاميرا أو صعد على خشبة المسرح.
هو الباشا سليم البدرى، الذى أنتظره فى دور «باشا» آخر هو محمدعلى، المسلسل الذى طال انتظاره، وهو أيضا «باشا» على الإطلاق، وليست باشاويته هبة من ملك ولا رتبة من حاكم، وإنما تاج على رأس الفن المصرى الأصيل وضعه له جمهوره العاشق، الذى يعرف جيدا كيف يفرق بين الغث والثمين، والذى وضع «يحيى الفخرانى» كأثمن آياتنا الفنية فى العصر الحاضر.
لم يستسلم يحيى الفخرانى طوال تاريخه لمقولة «الجمهور عايز كده»، فصنع لنفسه شخصية كبيرة، وأسس لنفسه جسورا من الثقة بينه وجمهوره المتلهف لأعماله، أدرك بموهبته العريضة أن الأذواق مختلفة، فاختار لنفسه أفضل الأدوار، ليرتقى بنفسه، ويرتقى بجمهوره، لم يتزلف، لم يهبط، لم يسمح لشباك التذاكر بأن يشوه عليه تجربته، فلم يغادر مربع الفنان المجتهد، ثم الفنان المجيد، ثم الفنان الكبير، ثم الفنان العظيم.
لسنوات طويلة سنتذكر تاريخ هذا الرجل الفنى بمزيد من الاحترام، فقد اعتدنا طوال مشروع الفخرانى الإبداعى أن نراه دائما فى صورة الشخصية الرئيسية، ذات الملامح الطيبة والرسالة النبيلة والأداء العاطفى، ولم يخرج الفخرانى خارج هذا الإطار إلا فيما ندر، وحتى حينما كان يؤدى دور «الشخصية الشريرة»، كان يقدم جميع المبررات التى تجعل الجميع يغفر له هذا «الشر»، وقد رأينا ذلك فى فيلم «الغيرة القاتلة» الذى لعب فيه الفخرانى دور الصديق الخائن، وفيلم إعدام ميت الذى لعب فيه دور «أبو جودة»، ضابط المخابرات الإسرائيلى، ثم خلد الفخرانى فى أذهان الناس فى أدوار تمثل الطيبة والنقاء والتمرد على العشوائية والخسة، وهو ما رأيناه فى أفلام متعددة منها «خرج ولم يعد»، و«الكيف»، و«مبروك وبلبل»، و«أرض الأحلام»، بالإضافة إلى عشرات المسلسلات التى خلدت فى أذهان الناس، وخلد معها الفخرانى باعتباره أحد أكبر المواهب التمثيلية فى تاريخ الدراما التليفزيونية، وهى مسلسلات أشهر من أن نشير إليها.
الكبير يحيى الفخرانى.. كل عام وأنت كبير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة