- خدام الكنيسة: استشهاد عدد من الشمامسة حافظى الألحان خسارة كبيرة للكنيسة
ككل الشمامسة استعدادًا للقداس ارتدى ملابس الخدمة البيضاء المطرزة بالأحمر، ورثة مارمرقس يحتفلون بأحد السعف، المسيح يدخل أورشليم كالفاتحين، الأخ شادى والأخ سليمان والأخ رؤوف يدخلون كنيستهم فرحين، يراجعون الألحان الكنسية القبطية تلك التى تقرأ فى أسبوع الآلام، يرددون ما تيسر من إنجيل ويبدأون مع كهنتهم صلاة القداس الإلهى.
تكتظ الكنيسة بالمصلين، أحد السعف ليس ككل الأيام، الباعة يفترشون الطرقات، سعف نخيل وورد وأغصان زيتون، وشعب الكنيسة يتوافد رويدًا منذ السابعة وحتى التاسعة، والأعداد تتزايد، الكشافة الكنسية فى الخارج، تفتش الداخلين، النساء للنساء، والرجال للشباب، الشرطة أيضًا فى خدمتها الأمنية وبوابات الكنيسة تعمل وتطلق صافرات الإنذار فى التاسعة وخمس دقائق، يدخل غريب إلى الباب، يقول كامل وهبة الذى كان ضمن الحاضرين يستعد للتناول عقب القداس، كان الغريب يرتدى جاكت جلدى بنى منتفخ، دخل إلى ساحة الكنيسة ثم توقف أمام كرسى مامرقس ذلك المقعد الخشبى الوثير الذى يجلس عليه البابا أو من ينوب عنه من الأساقفة إن زاروا الكنيسة أو قرروا الصلاة فيها.
"يضغط الغريب على وسطه، يصير المكان نارًا وركام، تتوزع أجسام الشمامسة الثلاث على الأرض، وينفجر الدم فيكسو سماء الكنيسة وصحنها، وتتوقف ألحان القداس والأناجيل بعدما استشهد ثلاثة من الشمامسة الحافظين الكرام البررة"، يؤكد كامل بعيون دامعة. بعدها بدقائق، انتقلت من آخر الكنيسة حيث كنت أقف عند الباب إلى وسطها، أحمل فى الجثث والأشلاء، رأيت أياد تتطاير، وسيقان على الأرض، أصابع فى السقف، وملابس تتمزق إربا وتعلق بالحوائط، رأيت ما لم تره عين وما لا أستطيع نسيانه.
أما السيدات اللاتى كن هدفًا لانتحارى البطرسية فقد نجت تلك المرة من القتل ولكنها لم تنج من الرعب تقول سوزان فتحى التى حضرت قبيل الانفجار بقليل حتى أن الشال الذى تضعه على رأسها فى القداس وطقس التناول قد تلطخ أيضًا بالدماء، وتؤكد أن الشاب بيشوى نجل القمص دانيال قد انتقل إلى السماء شهيدًا فالخسارة فادحة، شمامسة ممن حفظوا ألحان الكنيسة وتفانوا فى خدمتها، شباب ورجال ذهبوا ليشهدوا قيامة المسيح فى السماء. على باب الكنيسة وفى ساحتها بمنطقة أبو النجا، كان أهالى الشهداء والضحايا قد خرجوا عن صبرهم المعتاد، وبدءوا فى الشجار مع وسائل الإعلام التى تحاول توثيق الحدث ونقله، بينما منع شباب الكنيسة دخول الكاميرات، واكتفوا بإدخال إعلام الكنيسة بعد التأكد من الهويات.
رائحة الدم تزكم الأنوف، وتملأ المكان كإعلان عن الموت الذى سيصير بعد وقت جزءا من الكنيسة التى تلقب نفسها بأم الشهداء، بعدما قدمت الآلاف منهم فى عصور الاضطهاد الروماني. دم الشهداء الزكى شاهد وشهيد، يقول أبانوب الذى يعاون رجال البحث الجنائي فى رفع آثار الحادث، يمسك أبانوب بيمناه كيس أسود، يضع فيه ما يجده على الأرض من أشلاء، تلك قطعة جلد، وهذه شحمة أذن، والثالثة عقلة أصبع، أرضية الكنيسة كانت ملطخة بالدم، فجاور دم شهدائها سجادها الأحمر الموزع على المنتصف، كذلك فإن العمود القريب من موقع الانفجار قد تخضب تماما بدم الشهداء والضحايا وتحول لونه الأبيض إلى الأحمر.
"رأيت الأشلاء تتوزع فى كل مكان" تقول مريم وهى تشهق بالبكاء، ما رأيناه يصعب وصفه، حاولنا نجدة المصابين ومساعدة كبار السن والعجائز فى الخروج من أبواب الكنيسة المختلفة، كذلك عملنا على نجدة الأطفال من هذا الفزع الكبير، على يسار مريم صندوق صغير تخصصه الكنيسة بالنذور كتب عليه خدمة إخوة الرب أى الفقراء، ناله ما طال الكنيسة من دماء، فامتزجت تضحيات المال بتضحيات الجسد فى كنيسة واحدة تحمل اسم القديس مارجرجس سريع الندهة.
فى سقف الكنيسة، كان حوارى المسيح وتلاميذه يتوزعون يبشرون بالإنجيل، بينما كانت نقاط الدم وروائح شواء اللحم البشرى تطالهم، من الأرض التى تخضبت وحتى مكانهم فى سماء الكنيسة.
تحمد مريم ربها، الانفجار وقع قبل أن يضع "أبونا" حمل القداس، والحمل هو القربان بالإضافة إلى دم المسيح، وهما أقدس ما فى صلوات القداس الإلهي الأرثوذكسى، إلى جوارها كان رجال البحث الجنائى يعلقون علامات صفراء تمنع الاقتراب حتى تتم عملية رفع البصمات من مكان الحادث.
فى وسط الكنيسة تماما وجوار مكان الحادث، كان بعض الرجال الذين تلونت ملابسهم بالدم يدلون بأوصاف الانتحارى للنيابة فى الوقت الذى صاح فيه أحد خدام الكنيسة حين داست قدم رجل هيكل الكنيسة المقدس، وصاح حرام، حرام، ثم اعتذر مؤكدا أنه وفقا لطقس الكنيسة لا يمكن أن تدوس الأحذية الهيكل.
فى هيكل الكنيسة، كانت الساعات قد توقفت عند التاسعة وخمس دقائق، زمن الانفجار، كمشهد تكرر فى الكنيسة البطرسية التى انفجرت فى اللحظة نفسها.
على اليسار كان الدم قد أخذ موقعه من مقاعد الرجال، كما الأعمدة، يلون كل شئ، وليس كمثله شئ، بينما كان الأنبا بولا أسقف طنطا يعقد اجتماعا لترتيب صلوات الجنازة على الشهداء التى تبدأ بعد قليل فى كنيسة القديسة دميانة القريبة من موقع الحادث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة