التقرير الذى بثته «شبكه فوكس» الأمريكية يكشف أسبابا كثيرة حول انهيار مشروع الاستعمار الأوروبى بالكامل تقريبًا، بما فيها صعود حركات الاستقلال فى أمريكا اللاتينية، ومن ثم فى أفريقيا وآسيا، انهيار الاقتصادات الأوروبية، والشعور بأن النظام العالمى الجديد لن يتسامح مع الاستعمار بعد الآن وفى حين كانت الحرب مكلفة بشكل رهيب لجميع المشاركين؛ إلا أن التكلفة البشرية كانت كبيرة جدًا بالنسبة لاثنتين من دول المحور الأساسية، وهما ألمانيا واليابان، وأيضًا من قبل السوفيت والصينيين، فضلًا عن دول أخرى فى أوروبا الشرقية وشرق آسيا.
ولا تشكل هذه الوفيات العسكرية سوى جزء بسيط من عدد القتلى الذى نتج عن الحرب، والمجاعة، والإبادة الجماعية، فضلًا عن الدمار الاقتصادى والبيئى. وفى حين خسر الأمريكيون 400 ألف عسكرى فى تلك الحرب؛ إلا أنهم خرجوا منها أكثر قوةً بكثير من الدول الأخرى وهكذا، بقيت فى العالم اثنتان من الإمبراطوريات الهائلة ذات الجذور الأوروبية فقط، هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.
بعد الحربين العالميتين ونهاية الاستعمار، اختزل عدد القوى المتنافسة فى النظام العالمى إلى قوتين فقط، هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى. وكانت لدى كل منهما أيديولوجيات متنافسة، ومصالح متضاربة فى أوروبا وآسيا، وعدم ثقة متبادلة وعميقة.
وفى حين أن كل هذه العوامل تؤدى إلى الحرب عادةً؛ إلا أن قوة الأسلحة النووية المرعبة أبقت الدولتين بعيدتين عن القتال المباشر، وبدلًا من ذلك، تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى على النفوذ العالمى، وبدأتا بدعم الانقلابات، وحركات التمرد، والحكام المستبدين، والمشاركة فى حروب بالوكالة فى كل ركن من أركان العالم تقريبًا.
وبحلول عام 1971، وصلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى إلى طريق مسدود.
وفى عام 1979، قام الاتحاد السوفيتى بغزو أفغانستان. وبعد ذلك بعام، ترشح «رونالد ريغان» إلى الرئاسة، متعهدًا بهزيمة الاتحاد السوفيتى. وبالفعل، تفكك الاتحاد السوفيتى، جنبًا إلى جنب مع العديد من القوى العالمية المتحالفة معه، وهو ما ترك الولايات المتحدة بدون منازع.
فى عام 1948، حاصر الاتحاد السوفيتى برلين، وفى العام التالى، انضمت القوى فى أوروبا الغربية إلى الولايات المتحدة وكندا فى التوقيع على معاهدة الدفاع الجماعى لمنظمة حلف شمال الأطلسى؛ بهدف ردع العدوان السوفيتى.
وتوسع الحلف خلال الحرب الباردة ليشمل تقريبًا كل دول أوروبا الواقعة غرب الكتلة السوفيتية. وقد يكون هذا الحلف هو ما أحبط اندلاع حرب أخرى فى أوروبا، من خلال التعهد بأن الولايات المتحدة ستدافع عن أى عضو فيه كما لو كانت أراضيه من أراضيها.
ولم تتغير هذه الدينامية حقًا بعد انتهاء الحرب الباردة. بل توسع حلف شمال الأطلسى، وحصل على أعضاء جدد فى أوروبا الوسطى والشرقية. ومن الصحيح أن حلف شمال الأطلسى يضمن استقرار أوروبا وأمن أعضائها؛ إلا أن ذلك لم يأتِ بدون تكلفة، وقد أدى هذا الحلف إلى ارتباط دول أوروبا بالقوة الأمريكية.
الطريقة الأخرى لإظهار أمريكا باعتبارها القوة العظمى العالمية الوحيدة هى النظر إلى ميزانيتها العسكرية، التى تعد أكبر من ميزانيات الدول الـ 12 الأكثر إنفاقًا على الدفاع بعد أمريكا مجتمعة.
ويعد هذا الإنفاق الكبير على الدفاع من مخلفات الحرب الباردة جزئيًا، ولكنه أيضًا انعكاس للدور الذى أخذته الولايات المتحدة على عاتقها كضامن للأمن العالمى والنظام الدولى. وعلى سبيل المثال، منذ عام 1979، اعتبرت الولايات المتحدة حماية شحنات النفط فى الخليج جزءًا من سياستها العسكرية الرسمية، وهو شىء يستفيد العالم كله منه.
ومن الأسباب التى تجعل الولايات المتحدة قوية جدًا أيضًا، هناك التفوق الأمريكى الكبير فى مجال البحث العلمى؛ الذى يعزز ريادتها التكنولوجية والاقتصادية على الكثير من بقية العالم، ويعد فى الوقت نفسه انعكاسًا لهذه الريادة.
وكدليل على هذا، تتقدم الولايات المتحدة بشكل هائل على الدول الأخرى فى حصولها على جوائز نوبل. وقد فازت الولايات المتحدة بـ371 من جوائز نوبل، معظمها فى العلوم. وهكذا، فإن عدد سكان الولايات المتحدة يشكل %4 من سكان العالم؛ إلا أنها أخرجت %34 من الحائزين على جائزة نوبل.
ويأتى هذا التفوق نتيجةً للعديد من العوامل، مثل الثروة، والثقافة، والاقتصاد الذى يشجع على الابتكار، والتعليم، وبرامج البحوث، والسياسات التى اجتذبت منذ فترة طويلة المهاجرين المتعلمين تعليمًا عاليًا.