إن كنت من عشاق الأفلام القديمة فمن المؤكد أنك حينما تسمع اسم «بلاليكا» ستتذكر على الفور الفنان المصرى المبهر «عزيز عثمان» فى دوره الشهير فى فيلم لعبة الست، حيث أدى دور ابن خالة الفنانة تحية كاريوكا «لعبة» وخطيبها فى ذات الوقت قبل أن تهوى الفنان العظيم نجيب الريحانى «حسن» وتتزوجه، ومن المؤكد أيضا أنك تتذكر تلك الأغنية، التى تخطت شهرتها حدود الزمن وأصبحت من أدبيات الأفراح المصرية، خاصة فى وقت المرح، حيث تقول الأغنية «بطلوا ده واسمعوا ده.. ياما لسه ونشوف وياما .. الغراب يا وقعة سودة.. جوزه أحلى يمامة»، أما إن كنت من العازفين عن أفلامنا القديمة وأبطالها، فربما يرد إلى ذهنك حينما تسمع اسم «بلاليكا» شخص «تافه» أو «مربك» أو «بلطجى» أو عديم النفع، لكن ما لم أكن أدركه أن هذا الاسم فى هذا الفيلم يحمل قيمة كبيرة نفتقدها الآن بشدة، فى ظل حالات التراجع التى نعيش فيها.
بلاليكا هذا ليس اسما لشخص على الإطلاق، لكنه اسم لآلة موسيقية رقيقة وسامية تشبه آلة العود أو البزق، لكن صندوقها الصوتى يشبه المثلث متساوى الأضلاع، أصلها روسى، لكن وجود شخصية سينمائية بهذا الاسم فى أربعينيات القرن الماضى يؤكد أنها انتشرت فى مصر فى هذا الوقت بشكل كبير، فحتى الآن يطلق الموسيقيون على بعضهم البعض أسماء الآلات، التى يعزفون عليها، وهنا أتذكر معك أيضًا شخصية سينمائية أخرى ارتبط اسمها بآلة موسيقية أخرى ظهرت فى فيلم «خلى بالك من زوزو»، هذه الشخصية هى «سليمان الانكش بتاع الكلارينت» والكلارينت هذا آلة أخرى رقيقة من آلات النفخ ذات صوت عذب وشجى، فأين ذهبت هذه الآلات وأين ذهب عازفوها؟
فى هذه العقود القريبة زمنًا والبعيدة فنًا، كانت مصر أكاديمية مستقلة بذاتها، وكان الموسيقيون فى مصر يتبارون فى جلب الآلات الجديدة على المستمع المصرى من أجل إثراء القاموس النغمى للأذن المصرية، فكان عبدالوهاب يظهر عازفًا على «الجنبش» فى أغنية «عاشق الروح» وكان الفنان التشكيلى «حسين بيكار» يظهر فى صور وهو يعزف على العود ومختلف الآلات الوترية الشرقية، بل إنه بالاشتراك مع الدكتور عبداللطيف الجوهرى والصانع فتحى أمين اخترعوا آلة موسيقية جديدة وسموها «الجوهرية»، كما انتشرت فى مصر فى الثلاثينيات والأربعينيات آلات عديدة منها آلة السنطور وآلة «الأرنبة» وآلة «الطنبور» وآلة «المندولين» وآلة «البزق» وآلة» «الساز» وغيرها من الآلات الموسيقية ذات الخصوصية النغمية، التى كانت تجد لها مستمعين وعازفين ومتحمسين، لكنها انكمشت الآن بعد أن شهدت أرضنا الثقافية أبشع موجات التجريف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة