"رحلة البحث عن الثراء السريع"، هى سكة اللى يروح ما يرجعش من خلف القضبان، ورغم ذلك فإن المكسب المادى دون تعب عن طريق البحث عن الآثار والذهب فى باطن الأرض، يسيل لعاب بعض المواطنين، ليتخيل الواحد منهم أنه سيصبح بين عشية وضحاها من أصحاب الملايين، فينطلق فى رحلته برفقة الأصدقاء، ومالك المنزل أو قطعة الأرض، وأحد المشايخ الذى يجلبونه لإخراج «الدفينة» أو الكنز من باطن الأرض، فى سكة الندامة.
ورغم أن كل الدلائل تؤكد أن الحفر العشوائى ينجح بنسبة 1% فقط، وهو رقم ضئيل للغاية، فقد يلجأ البعض إلى الحفر بمنزله أو منازل آخرين، أملًا فى العثور على قطع أثرية، ثم بيعها، ليصبح من الأثرياء، لكن فى الغالب تنتهى مثل تلك الحفائر إلى الموت، أو السجن، أو ضياع المال على مجموعة من النصابين أطلقوا على أنفسهم شيوخًا.
حلم الثراء يودي بحياة 21 مواطن قتيلاً أسفل أنقاض المقابر الفرعونية
انتشرت مؤخرًا عمليات البحث والتنقيب عن الآثار بمختلف أنحاء الجمهورية، ليقع بعض الأهالى فريسة للمشعوذين والنصابين، مستخدمين فى ذلك كتبًا تخص الدجل والشعوذة، التى تخدمهم فى صيد الفريسة، ليكبدوها خسائر فادحة فى عمليات البحث، قد تصل لبيع ممتلكاتها، فى ترقب لعملية ثراء يأتى لها من البحث عن الكنوز الفرعونية تحت الأرض، فتصل المبالغ التى يتقاضاها المشايخ والدجالين من 50 ألف جنيه، حتى أكثر من 200 ألف جنيه.
مشايخ التنقيب، أو «النقب» كما يطلق عليهم فى صعيد مصر، هم أول الخيوط للبحث والتنقيب عن «اللقية»، وهى الآثار والذهب فى باطن الأرض، فالاعتقاد السائد بمحافظات الصعيد أن مشايخ «النقب» هم أصحاب المعرفة والرؤية الصائبة لتحديد مناطق التنقيب.
يقول «ج. ا»، عمدة قرية بقنا، أن مشايخ التنقيب عن الآثار هم نقطة البداية لخداع المواطنين بحلم الثراء السريع، بالعثور على قطع أثرية أو ذهب، وهو ما يطلقون عليه كنوز الأرض، لتبرير مشروعية التنقيب المخالف للقانون، مضيفًًا أن شيخ «النقب» كما يسمونه بالصعيد يبدأ عملية بيع الوهم بتحديد أنواع من البخور لبداية تحديد «اللقية»، الذهب والآثار، ويوهمهم بأنها تباع بالسودان وأسوان، بأسعار تتراوح بين 10 و20 ألف جنيه.
ويضيف «محمد. م. ا»، أحد المواطنين الذين تعرضوا للنصب من أحد مشايخ التنقيب، أنه يتم الاتفاق على مبلغ مالى، أو نسبة لتحديد موقع الحفر بالاتفاق، ولكن كان فى السابق يصل إلى 50 ألف جنيه للشيخ المصرى، إلا أنه مع زيادة الأسعار أصبح الاتفاق يصل من 70 إلى 100 ألف جنيه، وهناك من يطلبون نسبة من «اللقية»، موضحًا أنه بعد عدة أيام من إقامة شيخ «النقب» بالمنطقة، لتحديد احتوائها على آثار أو ذهب من عدمه، وتحديد نقطة بدء الحفر، يبدأ فى إيهام أصحاب المكان بأن الجن السفلى الذى يقوم بتحضيره والتواصل معه هو من يحدد كل شىء، وينطق شيخ التنقيب ليلًا بتمتمة كلمات غير مفهومة، ونشر دخان البخور وسط ظلام دامس لا يرى أحد فيه حتى أصابع يده، ويخرج بعدها الشيخ يحمل معه ما يسمى «الشاهد»، وهو إما قطعة صغيرة عليها نقوش، أو تمثال صغير جدًا، أو قطعة ذهبية، موهمًا أصحاب المكان بأنها الدليل القاطع على وجود كنز، ليحصل بعدها على المبلغ المتفق عليه ويختفى، لتبدأ عملية الحفر التى غالبا ما تنتهى بانهيار ترابى للمكان، لعدم دقة تخطيط الحفر.
وفى محافظات مصر توجد تسعيرة للمشايخ، فمنهم الذين يطلبون من 50 لـ100 ألف جنيه للشيخ المصرى، ومن 100 لـ200 ألف جنيه للشيخ المغربى أو السودانى أو الأردنى، لأنهم الأقوى فى تلك المهنة حسبما يرى المواطنون، وأحيانًا يطلبون مشغولات ذهبية لتحديد المكان كأحد وأهم مطالب الجن السفلى.
أما «ع. ا»، وهو واحد ممن يطلقون عليهم لقب الشيخ، فيقول: صاحب المنزل أو الباحثين معه عن الآثار يقومون باستدعائى، والحجز لى فى أحد الفنادق الكبرى، حتى يوفروا لى الراحة، وأطلب منهم أنواعًا من البخور والأعشاب التى تساعد فى استخراج الكنز، ثم أذهب إلى المنزل، وكما أرى من خلال مطالعتى فى الكتب وقراءتى، أحدد المكان الذى يتم الحفر فيه، وأطلب منهم عدم الإزعاج أو التزاحم، ثم نقوم بإطلاق البخور فى مكان الحفر بعد ظهور المياه، ولكن فى أغلب الأحيان يختلف الشركاء، ولا تتم عملية البحث بسلام، ويتم ردم المكان، وأعود إلى مكانى، وأوضح أن هناك كثيرين يدّعون علمهم بأماكن وجود الكنوز الفرعونية أو الآثار بوجه عام، لكنهم لا يفقهون شيئًا، ويقومون بعملية النصب على المواطن، ويساعد على ذلك طمع الباحثين عن الآثار، وحلمهم فى استخراج الكنوز.
وفيما يلى نرصد الوقائع والقضايا المختلفة فى عدد من محافظات الجمهورية للتنقيب عن الآثار، وسقوط ضحايا من المواطنين، ما بين مصابين وخلف القضبان، متهمين بالتنقيب عن آثار البلاد.
قطع يشتبه في آثريتها حصيلة قضايا اثار الاقصر
قتلى ومصابون ومتهمون نتيجة التنقيب عن الآثار فى المحافظات المختلفة
ففى محافظة الأقصر شهدت الأشهر الأربعة الأولى من عام 2017 ضبط 7 قضايا تنقيب عن الآثار، أسفرت عن مصرع عدة مواطنين وإصابة 3 آخرين، والقبض على 19 متهمًا.
وفى الدقهلية لقى اثنان مصرعهما، وتم إلقاء القبض على 28 شخصًا فى أثناء البحث والتنقيب.
وفى محافظة الشرقية، لقى 5 مصرعهم، وتم القبض على 8 متورطين فى قضايا بيع وتنقيب عن الآثار، وأحبط ضباط المباحث بيع تمثال أثرى للملك «بسوس ينس»، مؤسس الأسرة 21، مؤسس مدينة صان الحجر، بمبلغ 100 مليون جنيه، حيث تنكر ضباط السياحة والآثار على هيئة تجار آثار، وتمكنوا من إحباط عملية بيع التمثال و239 عملة معدنية.
وتمكنت شرطة السياحة والآثار بالشرقية من إحباط بيع تمثال أثرى، بعد قيام المسؤولين عليه بعرضه للبيع بمبلغ 16 مليون جنيه، وتم إحباط بيع 800 عملة معدنية ترجع للعصر البيزنطى، كانت بحوزة ربة منزل وطالب جامعى، حاولا بيعها بـ2 مليون جنيه، وتم ضبطهما.
أما فى محافظة الفيوم، فنجح رجال المباحث وشرطة السياحة والآثار فى ضبط 15 متهمًا، لقيامهم بأعمال التنقيب عن الآثار فى مختلف أنحاء المحافظة، وكذلك لقى مواطن مصرعه أسفل أنقاض حفرة خلال البحث عن الآثار، وذلك فى 3 قضايا مختلفة بالمحافظة.
وشهدت محافظة القليوبية فى الآونة الأخيرة 5 جرائم قتل من أجل عمليات البحث والتنقيب عن الآثار الفرعونية.
وشهدت محافظة المنوفية أربع وقائع تنقيب عن الآثار، وتم ضبط 8 متهمين، بينهم محام وشيخ قرية بمراكز الباجور، والشهداء، ومنوف.
وفى محافظة بنى سويف سقط 19 متهمًا من ضحايا هوس البحث والتنقيب عن الآثار، رغبة فى الثراء السريع، فى قبضة رجال الشرطة ببنى سويف.
وشهدت المنيا مصرع 5 أشخاص خلال تنقيبهم عن الآثار بمنطقة البهنسا الجديدة، بمركز بنى مزار، وفى أثناء عمليات الحفر انهارت الحفرة فوق رؤوسهم.
فيما شهدت الإسكندرية مصرع شخص، والقبض على 5 آخرين فى عمليات التنقيب.
من جانبه، قال سيد الشورة، مدير عام آثار الفيوم، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أن السبب فى انتشار عمليات التنقيب عن الآثار فى الفترة الأخيرة هو عصابات منظمة تحاول إيهام المواطنين بوجود كنوز أثرية أسفل منازلهم، من أجل التربح من ورائهم، خاصة أنهم يوهمونهم بأنه لاستخراج هذه الكنوز عليهم إنفاق الكثير من المال، بالإضافة إلى أن عمليات الحفر تستغرق شهورًا عديدة.
وقال جمال أبوبكر السمسطاوى، مدير عام منطقة آثار مصر الوسطى، أن الحفر بحثًا عن الآثار من قبل الأهالى يتم فى القرى والبندر، وذلك نتيجة عدم الوعى، والبحث عن الثراء السريع، والنصب والاحتيال، وحاليًا أكثر عمليات الحفر تتم فى بعض القرى وبعض المدن، مؤكدًا أن المنيا والفيوم وبنى سويف أكثر المحافظات فى أعمال الحفر والبحث عن الآثار، حيث أن معدل تلك الحفريات يزداد بشكل كبير، ففى شهر إبريل تم تحرير 15 قضية، وهذا معدل مرتفع فى الحفر.
وقال محمد مصطفى، مدير عام الآثار بالإسكندرية، أن منطقة غرب الإسكندرية تحتوى على العديد من المناطق الأثرية الموجودة أسفل المنازل، والتى يجب أن يتم اتخاذ إجراءات رادعة لحمايتها من العصابات.
اثناء عملية تنقيب عن الآثار بالإسكندرية
التنقيب عن الذهب.. جرائم هزت مصر
أما الشق الثانى فى التنقيب، فهو البحث عن الذهب فى جبال البحر الأحمر وأسوان، وفيما يلى نرصد عددًا من القصص والوقائع فى تلك القضايا التى هزت مصر خلال الآونة الأخيرة.
فى محافظة البحر الأحمر أصبح التنقيب عن الذهب وسط الأودية الجبلية منذ 7 أعوام تقريبًا هو الشغل الشاغل، حتى أنها جلبت الباحثين عن الثراء السريع من محافظات أخرى، بل من دول أخرى، مثل السودان.
وفى هذا السياق يقول «ج. ف»، من سكان جنوب البحر الأحمر، أحد العاملين فى التنقيب عن الذهب بأودية مرسى علم، أن التنقيب عن الذهب أصبح المهنة الرئيسية بجنوب البحر الأحمر، مضيفًا أنه منذ أن وصل جهاز «الجيبا» لمرسى علم بحوزة سودانى الجنسية، للبحث عن الذهب من خلاله، وبدأت فتنة التنقيب عن الذهب تنتشر بين أهالى الجنوب.
وتابع «ج. ف» لـ«اليوم السابع» أنه فى عام 2009 وصل لوادى البرمية فى مرسى علم سودانى الجنسية متسللًا، باحثًا عن الذهب فى الأراضى بعد انتشار فتنة التنقيب عنه فى السودان، بجهاز يسمى «جيبا»، وانتشرت فتنة التنقيب عن الذهب وتجارة الأجهزة التى كانت تبدأ من 5 آلاف حتى وصلت إلى 50 ألف جنيه.
من جانبه، قال «ع. أ»، شاب يعمل فى التنقيب عن الذهب فى الأودية ما بين مرسى علم والشلاتين، أنه فى الوقت الحالى تتم عمليات التنقيب بالكشف بجهاز الكشف عن المعادن «جيبا» أو «تكنس»، ثم يتم تكسير الصخور وحملها للمطاحن التى تتوفر فى مدينة إدفو بأسوان، وفى الأودية الجبلية فى مرسى علم، ويتقاضى صاحبها عن الطن الواحد 1500 جنيه، وفى النهاية يستخرج الذهب من الصخور بعد إضافة مواد عزل ومياه.
وفى محافظة أسوان، لم يدرِ 12 شخصًا من الأصدقاء المقيمين بمدينتى دراو وكوم أمبو، أن مصيرهم سينتهى بهم إلى السجن، عندما حاولوا الوصول إلى الثراء السريع من خلال الاسترشاد بسودانى الجنسية للتنقيب عن الذهب فى صحراء أسوان.
بدأ الأصدقاء الاثنا عشر، وهم «أحمد. ق» موظف بمحكمة أسوان الابتدائية، و«محمود. س» عامل، و«أحمد. ح» عامل، و«يوسف. س» عاطل، و«فتوح. ط» عاطل، و«محمود. ا» عاطل، و«طه. ا» عامل، و«سعودى. ع» موظف بالبترول، وشقيقه «محمود» فنى لحام، و«أحمد. ع» طالب، و«حسن. ع» سائق، و«عبدالرحيم. م» مزارع، يجتمعون مساء كل ليلة بمنزل «عبدالرحيم» لوضع خطة التحرك إلى منطقة وادى علاقى لاستخراج «اللى فيه النصيب» من خام الذهب، وبيعه فى الأسواق لصاحب أحد المحال، تمهيدًا لإعادة تصنيعه مرة أخرى، مستغلين بذلك ارتفاع أسعار الذهب، إلى أن تم القبض عليهم.
تمثال أثري يرجع للعصر الفرعوني ، أحبطت الشرطة تهريبه
أثناء قيام أحد الأشخاص بالتنقيب عن الأثار بمنزله
رقم 4 تمثال الملك بسوس ينس مؤسس مدينة صان الحجر، قبل تهريبه مقابل 100 مليون جنيه
حفرة تنقيب عن الاثار في محافظات مصر
تسعيرة المشايخ المصريين تصل لـ50 ألف والمغاربة والسودانيين لـ100 ألف جنية
عمليات التنقيب عن الذهب بوادى علاقى
ضبط احدي قضايا الاثار في محافظات مصر
تمثال أثري عثر عليه فلاح بترعة بالشرقية
اثناء عملية تنقيب عن الآثار بالإسكندرية
قطع بشرية عثر عليها في مقبرة اثار
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة