سارعت إلى بيع فدان من أرضى التى أملكها بالوراثة -بعد اتفاقى مع زوجتى- لنقوم بشراء شقة لابننا وعروسه التى وفقنا أخيرًا إليها، وقد رأيت أنا ووالدة آسر – بعد طول تدبر – أن نشترى هذه الشقة التى تعلونا فى الطابق التالى ليكون ابننا وزوجته إلى جوارنا طوال الوقت وتحت أعيننا. والمنطقة جميلة وراقية والشقة واسعة ومريحة ولا يعيبها عيب. أما العروس أزميرالدا فبنت لطيفة ومن أسرة طيبة، وقد لاقت إعجاب آسر وتمنى أن يكون قد أعجبها أيضًا.
وقد ارتاح صدرى وصدر والدة آسر بلقاء أسرة أزميرالدا التى جمعنى بوالدها رجل الأعمال لقاء عابر مع صديق مشترك قام بتقديم كل منا إلى الآخر، ثم تبادلنا الاتصالات لفترة قبل أن أعرف بوجود ابنة فى سن ابنى لدى صديقى . فلما عرفت، انشرح صدرى وتهللت أساريرى حقا، فهذا نعم النسب.
شرحت لآسر ولوالدته ما يراودنى من أفكار وما نما إلى علمى من معرفة بشأن العروس المحتملة صاحبة الاسم الغريب ووالدها، فتلاقت آراؤنا جميعًا على صواب الفكرة، ودعونا الله أن يوفقنا إلى الخير. وفى أقرب فرصة التقيت فيها بنسيبى المرام، أفضت إليه بما فى صدرى من رغبة أود أن أراها تتحقق. وعرضت على صديقى استعدادى لتلبية كل طلبات الأسرة وكل طلبات العروس كيفما شاءت. ورحت انتظر أنا وآسر ووالدته لعدة أيام قبل أن يعود إلى بالخبر السار، وباستعداد العروس أزميرالدا والأسرة الصديقة أن تستقبلنى أنا وآسر ووالدته بمنزل صديقى للتعارف.
استقبلتنا أزميرالدا كشمس الجنة، فهى إشراق ونور وسرور، ونفذت على الفور إلى قلوبنا جميعا فجعلت زيارتنا ومكثونا وحديثنا بشرا وحبورا، ولم أكن فى حاجة إلى سؤال زوجتى أو سؤال آسر عن رأيه الذى بدا على وجهه جليًا، فرحت أشكر صديقى على كرم الضيافة وجميل الاستقبال وأشاركه الدعاء بين الفينة والفينة من أجل السداد والتوفيق، ثم قرأنا الفاتحة معًا جميعًا، وصارت أزميرالدا خطيبة لآسر ابنى بعد طول بحث وشقاء طويلين امتداد لسنوات عديدة مضت.
تردد آسر على خطيبته أزميرالدا عدة مرات، وبدت الأمور على ما يرام ويشتهى ولا أفضل من ذلك ولا أجمل . وراح آسر يجامل عروسه المقبلة بالهدايا التى تدخل السرور عليها وعليه، ويصطحبها فى خروجات لطيفة، ويتشاركان فى أفكارهما ويطرحان خططهما للمستقبل . ولما لا وهما ينتميان إلى عائلتين كبيرتين ميسورتى الحال، ولو أرادا أن يخطا فى الهواء حلما لكانت كل الأحلام ملكهما فى اليوم وفى الغد القادم. وقد سررت شخصيا بهذا النسب مع صديقى رجل الأعمال، لتكامل تطلعاتنا واتساق خطواتنا فى الحياة وتوافر مقومات الازدهار لعائلتينا على أيدينا نحن الكبار، ثم على أيدى أولادنا الأعزاء لاحقا . وقد أحبت زوجتى أزميرالدا خطيبة ابننا كثيرا وأقبلت عليها دون تحفظ. وراحت زوجتى تفكر فيما تفعله لتسعد زوجة ابنها المقبلة وتجعل حياتها أوفر سعادة ونماء، فلم تشتر لأحد شيئا إلا لأزميرالدا، ولم تخص أحدًا بتلبية طلب إلا لأزميرالدا، حتى بتنا جميعا نحب أزميرالدا ونغار منها أيضًا لما تحفها به الأسرة من اهتمام بالغ وتقدير متزايد ومحبة صادقة.
سعيت جاهدًا فدبرت حفلاً رائعًا للخطوبة بأحد الفنادق الفخيمة، ما قد يحلم به أناس كثيرون، ولم أحمل نسيبى بشىء من التكلفة. وصرنا كأننا – أنا وآسر ابنى وزوجتى – نتنافس فى حب خطيبة ابننا وفى نيل رضاها ورحنا نعد الأيام والأسابيع والشهور لنرى آسر وأزميرالدا زوجين.
ما أجمل أن ترى كل شىء يسير على أحسن وجه، وترى ما تتمناه ينفذ لمحة فلمحة من عالم الأمانى وعالم الخيال إلى عالم الواقع وإلى عالم الحقيقة وعالم الحياة كلوحة بديعة من لوحات الكون التى يحار لها العقل ويختلج لها القلب ويتوقف عندها المنطق الدارج فى تفسير الأمور والأحداث وفهمها وتقديرها.
لا شىء يعدل فرحتك بحلم تحقق بعد سنين من البحث والعناء والاضطراب. ولا شىء يستطيع أن يفسر لى ما حدث من صديقى العزيز ونسيبى – سابقا – فى ذلك اليوم الغريب الذى نسف أحلامًا كثيرة ودمر سرورًا لم يطل على أسرتى مثله.
طلبنى نسيبى فى ذلك اليوم على هاتفى الشخصى، فرددت مرحبا وحيانى نسيبى وطلب مقابلتى للتفاهم حول أمر ما، فرحبت على الفور.
قال نسيبى العزيز – دون مقدمات – سبق وأن اتفقنا أنا وأنت على مؤخر صداق لابنتى قدره 100 ألف جنيه فقط. وهذا المبلغ لا يرضينى ولا يريحنى. وما يرضينى هو مؤخر صداق قدره مليون جنيه مصرى. فانتفضت طبعًا من فورى كمن مسه صاعق وأنفقت طاقتى سدى وأنا أحاول أن ألاطف نسيبى السابق لأفهم منه سر هذا التحول الغريب والمفاجئ، وهو لا يجيب بشىء سوى هذه رغبتى . ويكفى أنكم ستستأسرون بابنتى فى شقة فى نفس العقار الذى تقيمون فيه.
لم أفهم ماذا يعنى ذلك . وثرت وهجت ثورة عارمة – بقدر غيظى وحنقى وبقدر ما بذلت من جهد لإرضاء نسيبى وإرضاء ابنته – ورحت أكيل إلى نسيبى السابق ما لم يخطر ببالى ولا بباله مسبقًا من العبارات، وطالبته برد كل شىء قدمته اليه أنا وأسرتى . وقام الرجل برد كل شىء وكل شىء قدمته إليه بمناسبة تلك الخطوبة المأسوف عليها. وبينما أتطلع فى وجه ابنى آسر، تذكرت أن آسر حكى لى يومًا أنه قدم دبدوبًا جميلاً مما يحبه البنات إلى أزميرالدا، فنهضت من فورى إلى هاتفى وطلبت نسيبى السابق منددًا بعدم رد الدبدوب الحبوب مطالبًا برده فورا الينا، بينما ابنى آسر يحاول أن يثنينى عن عزمى ويحول بينى وبين تأنيب نسيبى السابق قائلاً: ده دبدوب يا بابا ومش مهم. ولكن أبدًا: أصررت على موقفى: عاوزين الدبدوب كمان.
حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها إلى الخير.