عبد الفتاح عبد المنعم

أمريكا بين الهيمنة السياسية والتفوق الاقتصادى فى العالم

الثلاثاء، 16 مايو 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تمتلك دولة فى التاريخ الحديث نفوذاً عسكرياً دولياً بالحجم الذى حازته الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بعض المحللين الآن يرون أن الولايات المتحدة تسير على خطى المملكة المتحدة، آخر القوى المهيمنة المنهارة، وهذا القياس التاريخى، رغم شيوعه المتزايد، خادع ومضلل هكذا بدأ جوزيف س. ناى، أستاذ فى جامعة هارفارد، وعضو المنتدى الاقتصادى العالمى، بحثه الرائع الذى حمل عنوانا استفهاميا هيمنة أمريكية أم تفوق أمريكى؟ حيث يرى د. جوزيف أن بريطانيا لم تتمتع قط بمثل هذا القدر من السيطرة الذى تتمتع به الولايات المتحدة اليوم، لا يمكن أن ننكر أنها امتلكت أسطولاً يضاهى حجماً الأسطولين التاليين لأسطولها مجتمعين، وأن إمبراطوريتها التى لم تكن تغيب عنها الشمس، كانت تحكم ربع البشرية، لكن كانت هناك فروق كبيرة فى موارد النفوذ النسبية لبريطانيا الاستعمارية وأمريكا المعاصرة، فحينما نشبت الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا فى المركز الرابع بين القوى العظمى من حيث أعداد الأفراد العسكريين، وحلت رابعة أيضاً بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى، وثالثة من حيث الإنفاق العسكرى.
 
كذلك اعتمد حكم الإمبراطورية البريطانية إلى حد كبير على القوات المحلية، فمن بين 6.8 مليون عسكرى خاضت بهم بريطانيا الحرب العالمية الأولى، كان ثلث هذا العدد تقريباً من الأجانب التابعين لإمبراطوريتها الممتدة عبر البحار، وكان هذا من العوامل التى صعبت على حكومة لندن إعلان الحرب بالنيابة عن الإمبراطورية عندما بدأت المشاعر القومية فى التأجج.
 
وباشتعال الحرب العالمية الثانية باتت حماية الإمبراطورية عبئاً أكثر من كونها ميزة، بل إن قرب المملكة المتحدة الشديد جغرافياً من قوى مثل ألمانيا وروسيا أسهم فى زيادة التحديات التى تواجهها، لذا فإن الرد على كل هذه الثرثرة حول «إمبراطورية أمريكية»، يتلخص فى حقيقة أن الولايات المتحدة لا تمتلك مستعمرات يتوجب عليها إدارتها، وبالتالى فإن لديها مساحة أكبر من الحرية للمناورة مقارنة بالمملكة المتحدة، كما أن وقوعها بين دول مسالمة ومحيطَين، يجعل مهمة حمايتها لأراضيها أسهل كثيرا.
 
الدكتور جوزيف يقول: إن هناك إشكالية أخرى مع القياس الخاص بالقوة المهيمنة العالمية، ألا وهى: الالتباس بشأن المفهوم الحقيقى لـ«الهيمنة». فبعض المراقبين يخلط هذا المفهوم بالإمبريالية، لكن الولايات المتحدة تمثل دليلاً واضحاً على أن القوة المهيمنة لا تحتاج بالضرورة إلى امتلاك إمبراطورية رسمية، وهناك آخرون يعرفون الهيمنة بأنها القدرة على وضع قواعد النظام الدولى، وإن ظل التعريف الدقيق لمدى التأثير الذى يجب أن تحدثه القوة المهيمنة فى هذه العملية، مقارنة بالقوى الأخرى، غامضا.
 
بيد أن آخرين يعتبرون الهيمنة مرادفة للسيطرة على معظم موارد النفوذ، لكن وفق هذا التعريف فإن بريطانيا القرن التاسع عشر التى احتلت المركز الثالث بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى «بعد الولايات المتحدة وروسيا»، والمركز الثالث أيضا فى النفقات العسكرية «بعد روسيا وفرنسا»، وهى فى أوج سلطانها عام 1870 لا يمكن اعتبارها مهيمنة رغم سيطرتها البحرية.
 
وبالمثل يخفق هؤلاء الذين يتحدثون عن الهيمنة الأمريكية بعد عام 1945، فى ملاحظة أن النفوذ العسكرى للاتحاد السوفيتى كان يوازى النفوذ العسكرى الأمريكى لما يزيد على أربعة عقود، ورغم تمتع الولايات المتحدة بنفوذ اقتصادى لا يقارن، كان الحيز المتاح لها للمراوغة السياسية والعسكرية مقيداً بالنفوذ السوفيتى.
 
يصف بعض المحللين حقبة ما بعد عام 1945 بأنها اتسمت بنظام هرمى ذى خصائص ليبرالية ترأسته الولايات المتحدة، وقدمت من خلاله منافع عامة، مع العمل داخل منظومة مرنة من القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف التى أتاحت للدول الأضعف فرصة للتعبير عن ذاتها، ويوضح هؤلاء المحللون أن الحفاظ على هذا الإطار المؤسسى قد يكون أمراً منطقياً لدول كثيرة، حتى لو تدهورت موارد النفوذ الأمريكى، ومن هذا المنطلق فإن النظام الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة قد يصمد بعد انتهاء التفوق الأمريكى فى موارد النفوذ، رغم أن كثيرين آخرين يرون أن ظهور قوى جديدة ينذر بزوال هذا النظام.
 
لكن عندما يتعلق الأمر بعصر الهيمنة الأمريكية المفترضة، نجد دائماً خلطاً لكثير من الخيال بالحقائق، فهو لم يكن نظاماً عالمياً بقدر ما كان تآلفاً بين مجموعة من الدول ذات التفكير المتشابه، تركزت بشكل كبير فى الأمريكيتين وأوروبا الغربية، وشكلت أقل من نصف العالم، ولم يكن وقع هذه المجموعة دائماً طيباً على الدول غير الأعضاء بما فى ذلك قوى مهمة مثل الصين والهند وإندونيسيا والكتلة السوفيتية. وفى ضوء ذلك، قد يكون من الأدق وصف وضع الولايات المتحدة فى العالم بأنه «نصف هيمنة».
 
بالطبع، حافظت أمريكا على سيطرتها الاقتصادية بعد عام 1945، فالخراب الذى أحدثته الحرب العالمية الثانية فى دول كثيرة كان يعنى أن الولايات المتحدة كانت تنتج نصف الناتج المحلى الإجمالى العالمى تقريبا وغدا نتواصل مع أمريكا اللغز والحقيقة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة