فى 16 مايو عام 1964، كانت مصر على موعد سجله التاريخ، حيث تم تحويل مجرى النيل لأول مرة إيذاناً بانتهاء المرحلة الأولى من بناء السد العالى، ووقف الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر وبجواره نيكيتا خروتشوف رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى، ليعلن بدء تحول جديد فى مستقبل مصر.
الأبطال الحقيقيون للحدث من مهندسين وعمال، بعضهم على قيد الحياة يروون لأبنائهم وأحفادهم لحظات الكفاح والعمل الشاق فى أسوان، "اليوم السابع" التقى أبطال الملحمة وسجل ذكرياتهم مع الغربة والعمل تحت حرارة الشمس .
أحمد النوبى 64 سنة أمين عام مساعد جمعية بناة السد العالى فرع أسوان، قال" تمر علينا الذكرى تلو الأخرى ومازلنا نتذكر تلك الأيام التى أخلصنا فيها العمل فأخلص الله لنا العطاء، مضيفا: 16 مايو كان يوم تحويل مجرى النيل والانتهاء من المرحلة الأولى لبناء السد العالى، ووقتها كنت أعمل فنى هيدروليكى،وكانت هناك تجهيزات ليوم تحويل مجرى النيل استمرت لمدة ثلاثة أيام متتالية 14 و15 و16 مايو من عام 1964، حيث تم التمهيد لغلق المجرى المائى نهائيا عن طريق وضع كميات كبيرة من الصخور والأتربة بواسطة سيارات النقل، مع وجود فتحة عرضها 50 متر فقط لمرور المياه، وفى يوم الاحتفالية تم ردم هذه الفتحة بالكامل وتحويل مجرى النيل عقب تفجير السد الرملى أمام وخلف السد العالى.
وأشار النوبى، إلى أن تحويل مجرى نهر النيل بدأ فى الساعة الثانية إلا الثلث ظهراً، حيث تم إغلاق المجرى نهائيا وتحويل المياه إلى القناة الأمامية للسد العالى بطول 1950 متر مرورا بستة أنفاق رئيسية بطول 282 متراً وقطر 15 متراً للنفق الواحد، ليتم بذلك تغيير مجرى نهر النيل، وتنتهى المرحلة الأولى من إنشاء السد العالى والتى بدأت فى 9 يناير 1960 حتى 15 مايو 1964م.
فيما قال شوقى على سائق بلدوزر، أن المهندسين اتجهوا شرقاً وغرباً فى أسوان وصولاً إلى المكان الأفضل لموقع السد العالى، وكنا ننقل الرمال والصخور لردم المجرى القديم وبدأ العمل فى مجرى السد، وكان العمال يموتون أسفل هذه الصخور العملاقة وأثناء عمليات التفجير، كنا نعمل بحماس وصدق ونشعر بأن ما نبنيه ليس سد مياه فقط، ولكنا كنا نشعر بفخر لبناء حضارة ونهضة حقيقية لمستقبل هذا البلد، ووصلت بنا درجات التفانى فى العمل إلى أن بعض زملائنا كانوا لا يغادرون مواقعهم حرصاً على مواصلة العمل.
إبراهيم محمد حامد 75 سنة، واحد من أبطال ملحمة السد، " فاكر كويس تاريخ 16 مايو 1964 يوم تحويل مجرى النيل، اللى استقبله شعب مصر والأمة العربية بفرحة هتفضل خالدة على مر التاريخ، المناسبة دى حضرها الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الاتحاد السوفيتى نيكيتا خروشوف، لافتًا إلى أن السد العالى كان بمثابة تحدٍ مصرى خالص، وعقب القرار التاريخى الذى اتخذه عبد الناصر وقتها ببنائه بإرادة الشعب وتضحياته، بعد قرار البنك الدولى بـ"توصيات أمريكية" برفض تمويل السد العالى، نظمت الدولة احتفالاً بهذه المناسبة، كما كانت تقيم للعمال حفلات أضواء المدينة، بحضور نخبة من الفنانين الكبار منهم فايزة وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.
وقال عز عبد السلام ميكانيكى بالمعاش، فى اليوم الثالث والأخير فى تحويل مجرى النيل، استيقظ جميع العمال للاستعداد للاحتفال وكأنه يوم عيد للمصريين، وفى الصباح وقبل بدأ التفجير أخلى جميع العاملين فى السد موقع التفجير، وقام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بالمرور على العمال وتحيتهم، واصطف الجميع ينتظر اللحظة الحاسمة، فالعمال فى الجانب الشرقى والرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبرفقته وزراء الاتحاد السوفييتى نيكيتا خروشوف، والرئيس العراقى عبد السلام عارف والرئيس اليمنى عبد الله السلال، ضغطوا على زر تحويل مجرى نهر النيل لأول مرة فى التاريخ وإقفال مجرى النيل القديم والبدء فى تخزين المياه ببحيرة ناصر، ودوى صوت الانفجار كطلقة الاحتفال .
لطفى أحمد يعقوب البالغ من العمر 83 سنة، يروى حكايته مع ملحمة السد العالى، التى شارك فيها ضمن جيش البنائين والعمال الذين صنعوا الملحمة بالجهد والعرق، قال "أنا جنب السد العالى حبيبى، هو ابنى اللى بنيته، هعيش وأموت جمبه".
وقال على تركى محمد حسنين البالغ من العمر 77 سنة، "مصر تواجه تحديات خطيرة فى المرحلة الحالية والرئيس عبد الفتاح السيسى يكافح بنجاح، ويخطو خطوات ثابتة ناحية التقدم والتنمية والنهضة بمصر والوصول بها لبر الأمان مثلما فعل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لافتاً إلى أن مشروع قناة السويس الجديدة يعتبر أمل جديد للمصريين مثلما كان السد العالى بالنسبة لهم".
و أكد المهندس محمد فرج الله، الرئيس السابق لشركة المحطات المائية بالسد العالى، أن بناء السد العالى لم يكن بالأمر السهل، إذ لجأت مصر الى كلا من الولايات المتحدة وانجلترا والبنك الدولى الذى أقر تمويل مشروع بناء السد ، فى سنة 1955، و كانت عملية تمويل قروض مشروع بناء السد العالى كلها مشروطة منذ البداية ، فقد صاحب أعلان البنك الدولى مذكرة الغرب – بريطانيا والولايات المتحدة ألأمريكية – وبها شروط مجحفة تتناول السيادة الوطنية على مصر كأساس لتنفيذ المشروع.
وأوضح المهندس فرج الله، رغم ذلك الرفض لم تتخلى مصر عن هدفها فى ضرورة بناء السد الهالى لحتميته الاقتصادية، وكان رد عبد الناصر الحاسم على سحب أمريكا وانجلترا تمويل بناء السد هو تأميم قناة السويس كشركة مساهمة مصرية، مشيراً إلى أن السد بدأ التفكير فى تنفيذه بواسطة المهندس اليونانى المصرى دانينيوس فى نهاية عام 1952، وبدأ التنفيذ الفعلى للمشروع فى 9 يناير 1960، وانتهت المرحلة الأولى فى منتصف مايو 1964 بتحويل مياه النهر إلى قناة التحويل، وفى منتصف أكتوبر 1967 ارتفع جسم السد إلى 172 متراً، وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالى فى 9 يناير 1969 بتشغيل 3 توربينات، وفى يوليو 1970 اكتمل المشروع بتشغيل 12 توربين، وبلغت تكلفة بناء السد العالى حوالى 400 مليون جنيه ولو أردنا بناؤه اليوم سيتكلف 18 مليار جنيه، والسد بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمى تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسوانى، والسد يغلق مجرى النهر فى مسيرة حوالى 7 كم الى الجنوب من خزان أسوان القديم ويحول المياه إلى مجرى جديد عبارة عن قناة مكشوفة تتوسطها 6 أنفاق متصلة فى نهايتها بمحطة كهرباء مزودة بـ 12 وحدة.
و أشار المهندس هشام فرغلى، مدير عام متحف النيل بأسوان، إلى أن وزارة الرى أدركت أهمية النيل فى التواصل مع دول الحوض الإفريقى، وأنشأت متحف النيل بمدينة أسوان فى 10 يناير عام 2016، بتكلفة بلغت نحو 85 مليون جنيهاً، لافتاً إلى أن المتحف يحمل رسالة مهمة للمصريين وهى التواصل الإفريقى عبر نهر النيل، والتأكيد على أهمية قطرة المياه فى حياتنا، بجانب دور المتحف فى المشاركة المجتمعية للمناسبات والاحتفاليات والندوات والمؤتمرات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة