زمان كنا نواجه ثالوث الفقر والجهل والمرض بضمير حى وروح وثابة ورغبة صادقة فى التحرر من كل أشكال الاستعمار، واليوم مازلنا نواجه نفس الثالوث ومعه ثالوث جديد هو الفساد والغش والتكاسل، والثالوث الجديد مرتبط عضويا بالقديم، لكنه أخطر وأشرس.
وإذا كنا تعثرنا فى حربنا ضد ثالوث التخلف القديم لأخطاء وخطايا فى المواجهة وارتباك سياسات الدولة خارجيا وداخليا على مدى ستين عاما، فلم يعد لدينا بالفعل رفاهية أن نفشل أو نتأخر عن المواجهة الحاسمة والجذرية مع الثالوث القديم والثالوث الجديد، لأنهما سببا تأخرنا وانهيارنا وعجزنا رغم الإمكانات الهائلة التى نكلكها.
الدور الكبير الذى تبذله الرقابة الإدارية لمواجهة أشكال الفساد والانحراف فى الجهاز الإدارى والجهات المتعاملة معه كبير وملحوظ، ويمثل رادعًا لجميع العاملين فى المصالح والهيئات والجهات المرتبطة بها، وهو ردع كان مفتقدًا بهذه القوة والفعالية خلال السنوات السابقة، وكان افتقاده أحد الأسباب، التى أدت إلى انتشار ظاهرة الغش والانحراف والتربح الحرام فى كل مناحى حياتنا.
لكن المتمعن فى كيفية سير الحياة وتعاملاتها عندنا يعرف أن جهد الرقابة الإدارية هو الجهاد الأصغر المتعلق بالمصالح والهيئات الحكومية والجهات المرتبطة بها، لكن الجهاد الأكبر منوط بنا نحن المصريون فى كل فئات وقطاعات المجتمع الأخرى، فالأغلبية الساحقة منا ضعفت معاييرهم فى الإتقان والإخلاص لما يتصدون له من أعمال ومهام، كما ضعف إيمانهم بقيمة العمل نفسه أيا كان نوعه وطبيعته كما تسعى الأغلبية الساحقة إلى تعظيم منافعها وأرباحها من أى شىء تتصدى لعمله وفى المقابل ضعفت إلى حد كبير ثقافة الخدمة العامة والتطوع.
لن تستطيع الرقابة الإدارية ومعها كل الأجهزة الرقابية الأخرى مواجهة الفساد والقضاء عليه، ما دام الفساد الصغير والكبير متجذرا فى المجتمع، ومادامت مصطلحات الرشوة المقنعة مثل «الشاى بتاعى» و«الدرج المفتوح»، و«الإكرامية» و«الحلاوة» و«تمشية الحال» و«تفتيح المخ»، موجودة ولها معانٍ ودلالات فى قاموسنا الحياتى، وغالبة على قيم العمل والاجتهاد والشرف والضمير المهنى والأخلاقى.
الفساد للأسف الشديد أصبح أحد أساليب الحياة بمجتمعنا خلال الأربعين عاما الأخيرة، وأدى ذلك إلى دهس قيم كثيرة كانت بمثابة جهاز المناعة للمصريين، وعلينا أن نعمل معا لنعيد لمناعتنا المجتمعية قوتها ونعيد لقيم الشرف والأخلاق والاجتهاد والعمل قوتها ونصاعتها.
أولى المشكلات التى تحتاج إلى حل حاسم هى الغش بمفهومه الواسع ودرجاته المتعددة، من الإهمال والتكاسل إلى الأداء العشوائى عدو الإتقان والانضباط وانتهاء بتعمد الغش للتربح من ضغط التكلفة أو تقليل وقت الإنجاز إلخ، ومثلما قالوا قديما: «إن الغش يفسد كل شىء»، فإن الإتقان هو ترمومتر ضبط المجتمعات والدول ومعيار تقدمها وازدهارها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة