تؤكد العديد من استطلاعات الرأى التى أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، تدهور الصورة الأمريكية عربيًا، الأمر الذى أدى إلى التشكيك فى كل المبادرات الأمريكية لإصلاح المنطقة.
فوجهة النظر السائدة فى العالم العربى ترى السياسة الأمريكية مزدوجة المعايير، ولديها دوافع خفية، وفى هذا الصدد نعرض لدراسة صدرت عن «مؤسسة ستانلى» The Stanley Foundation، بعنوان: «الميديا العربية والسياسة الأمريكية: إعادة انطلاق الدبلوماسية العامة«Arab Media and US Policy: A Public Diplomacy Reset»، للخبير فى وسائل الإعلام العربية، مروان ام. كريدى Marwan M. Kraidy، تنطلق الدراسة من أن الخبرة التاريخية للبث الإعلامى الغربى قبل الحرب العالمية الثانية سواء من ألمانيا النازية، فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا العظمى، والاتحاد السوفيتى السابق، تركت أثرًا سلبيًا لدى الدول العربية، دفعتها إلى التشكيك فى الهدف من هذا البث، ورؤيته على أنه يهدف إلى التأثير على مشاعر وآراء شعوبها.
ويُلاحظ أنه ربما كان البث الأجنبى ضروريًا أو له أهمية عندما كانت وسائل الإعلام الحكومية غير جديرة بالثقة فى الأقاليم التى يستهدفها البث. وكان الأشخاص متعطشون للمعلومات على عكس الوضع حاليًا الذى يشهد غزارة فى المعلومات والأخبار من مختلف وسائل الإعلام، الوضع الذى خلق العديد من الخيارات أمام المواطن العربى.
فى وقتنا الراهن هناك العديد من القنوات الأجنبية تُبث باللغة العربية، فبجانب قناة الحرة الأمريكية، توجد قناة العالم الإيرانية، وقناة روسيا اليوم، والخدمة البريطانية «بى بى سى» العربية، وإذاعة صوت ألمانيا «الدويتشه فيله»، وقناة فرنسا 24. هذا التنوع والتعدد خلق منافسة حادة بين وسائل الإعلام العربية والأجنبية الموجهة للعالم العربى.
تشير العديد من استطلاعات الرأى إلى تراجع الصورة الأمريكية عربيًا، الذى ترجعه الدراسة إلى الدعم الأمريكى للحكومات العربية السلطوية، بجانب الدعم الأمريكى للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. فلا يمكن تجاهل حجم المتناقضات فى السياسة الأمريكية خاصة عندما تروج للديمقراطية فى المنطقة، فعندما تأتى هذه الديمقراطية بقيادات تعارض مصالح واشنطن بالمنطقة، تُعلن أن الشعب العربى غير قادر على تطبيق الديمقراطية، مما يترتب عليه غياب المصداقية الأمريكية عربيًا.
وفى أحد استطلاعات الرأى حول اتجاهات العرب تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أن %65 من المستطلعة آرائهم يؤمنون بأن الديمقراطية ليست هدفًا أمريكيًا حقيقيًا، بينما يرى %5 بأن الديمقراطية هدف حقيقى للولايات المتحدة، ورأى %16 أنها كانت هدفًا حقيقيًا، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تطبقه بطريقة خاطئة.
وتُرجع العديد من الدراسات تراجع الصورة الأمريكية عربيًا إلى عامل الدين فى إطار الترويج لمقولات ونظريات بدأت تشق طريقها عالميًا مثل مقولات «صدام الحضارات Clash of Civilizations». ولكن فى واقع الأمر يُعد العامل الدينى مٌتغيرًا واحدًا ضمن متغيرات أخرى وليس أهمها.
تُشير الدراسة إلى أنه من الصعب وسط هذا الزخم الهائل فى وسائل الإعلام العربية تحديد أيها يٌعبر عن منظور يٌعادى الولايات المتحدة الأمريكية anti-American أو يعبر عن منظور يتفق معها Pro-American، غير أنه من الملاحظ أن هذه الثنائيات هى ثنائيات ظاهرية ليس لها جدوى. وقد أشارت الدراسة فى هذا الصدد إلى قناة New TV التى تم إطلاقها كمحطة للحزب الشيوعى اللبنانى المملوكة حديثًا من جانب رجل الأعمال تحسين خياط.
ورغم أن القناة تحافظ على موقفها اليسارى، إلا أنها تنحاز لهدفين معلنين من جانب السياسة الأمريكية، هما: دعم عدم النزوع للطائفية، ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية فى الحكم. ولكنها فى نفس الوقت تنتقد السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، ومن ثم يُصعب تصنيف هذه القنوات إذا كانت مع أو ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
الدبلوماسية العامة محاولة لكسب القلوب والعقول العربية، تٌعد الدبلوماسية العامة إحدى وسائل التأثير فى الرأى العام. ففى هذا الإطار قامت واشنطن بإطلاق قناة الحرة الموجهة للجمهور العربى والممولة من الحكومة الأمريكية.
ولكن السياسات التى انتهجتها إدارة بوش خلال فترتيها بداية من تبنيها الحرب العالمية على الإرهاب، وصولاً إلى انتهاجها سياسات انفرادية «بعيدة عن العمل الجماعى» اقترنت بقواعد لعبة سياسية شروطها «هل أنت معنا أم ضدنا»، وما تمخض عنها من شن ضربات استباقية على أفغانستان والعراق، متجاهلة حلفائها والأمم المتحدة، أدت إلى توتير علاقات واشنطن مع باقى دول المجتمع الدولى. وفى الوقت الذى أخفقت الدبلوماسية العامة الأمريكية فى تحسين الصورة الأمريكية عربيًا، قدمت الدراسة عددًا من التوصيات منها: خلق جهاز مستقل وله مهامه يكون لرئيسه مكتب فى البيت الأبيض ويكون مستشارًا خاصًا للرئيس، وزيادة المخصصات المالية الموجهة للدبلوماسية الشعبية، ونشر تعليم اللغة العربية بين المتخصصين الأمريكيين، وتسهيل وصول الصحفيين العرب للمصادر الأمريكية بصورة واسعة، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على التأشيرة الأمريكية خاصة بالنسبة للطلاب والصحفيين.
وهناك بالفعل برامج مثل منحة فولبرايت Fulbright Fellowships، فى مجال الصحافة، الاتصالات، والدراسات الإعلامية. لكن لابد من العمل على مضاعفتها ثلاث مرات كى تستفيد منها شريحة أكبر، كذلك أوصت الدراسة بإغلاق قناة الحرة، فهى لا تستطيع المنافسة فى ظل هذا الزخم الإعلامى. كما أوصت بتصديق الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية جنيف، وإغلاق معتقل جوانتنامو، وإطلاق حملة لتحسين معاملة السجناء. كل ذلك كمحاولة لتجميل الصورة الأمريكية أمام الرأى العام العربى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة