تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية هو القاسم المشترك الأعظم فى أى تجديد منشود لحياتنا ومستقبلنا، فما لا يخفى على أحد منا أننا مجتمع مأزوم اقتصاديا وسياسيا، وأن ثروتنا الأساسية هى فى ما يظنه البعض العبء الأكبر، وأعنى بذلك البشر الذين تجاوزوا حاليا التسعين مليونا هذا خلافا لنحو عشرة ملايين مواطن فى الخارج.
المائة مليون مصرى ومعظمهم من متوسطى ومحدودى الدخل والفقراء، إما أن يتحولوا إلى قوة دفع هائلة لعملية التنمية بأن يكون كل فرد فيهم مشروعا استثماريا فى ذاته وقصة نجاح وتنمية مستقلة، أو أن يكونوا كما هو الوضع حاليا عبئا على حكومة ودولة تخطط كى تطعمهم وتكسوهم وتفتح المدارس لأبنائهم وتبنى لهم الشقق التمليك الرخيصة وتوفر لهم الرعاية الصحية.
أى المسارين نختار أن يكون لدينا حلمنا فى الترقى اجتماعيا وماديا من خلال التعليم أو العمل والابتكار أم أن نتحول لعجزة وشحاذين نتسول الحكومة الخبز المدعم فإذا رفعت سعره ثرنا عليها؟ وهل الحياة الطويلة العريضة مجرد ساعات نقضيها فى طوابير الخبز والطعام الرخيص؟
الحكومة الحالية تحاول فتح المجال أمام الأجيال الطالعة ليحصل كل منهم على فرصة خلاقة فى العمل والتدريب والإنتاج، لكننا ينقصنا نشر الوعى العام بأن المستقبل من صنعنا وأن مقدار الجهد الذى يبذله أى منا يعنى تغييرا للأفضل لا تعرقله عقبات بيروقراطية ولا عقليات فاسدة ولا تحط منه أن يكون الإنسان فقيرا أو من عائلة بسيطة.
تذكرون طبعا الشاب النابه عبدالحميد شتا الذى تقدم عام 2002، بعد تخرجه بتفوق من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لاختبارات جهاز التمثيل التجارى للحصول على وظيفة الملحق التجارى، ومعه اثنان وأربعون شابا آخرون، كان شتا يشرف على تحصيلهم العلمى فى الجامعة بحكم تفوقه.
وفى اختبارات التمثيل التجارى حصل شتا على أعلى الدرجات متفوقًا على الاثنين والأربعين شابا المشاركين معه، وتوقع الجميع أن يكون أول الفائزين بمنصب الملحق التجارى لمصر فى الخارج، لكن المفاجأة أن الاثنين والأربعين شابًا نجحوا ورسب شتا، لماذا؟ لأنه ابن فلاح بسيط يعمل ليكسب قوت يومه، ونال على ملفه الختم المشؤوم «غير لائق اجتماعيًا»، وحينها قرر شتا الانتحار بالقفز فى النيل، ربما لأنه أيقن أن البلد فسد لدرجة أنه لم يعد يتحمل أى مجتهد مكافح.
نريد مجتمعا جاذبا للموهوبين المتفوقين أيا كان لونهم أو دينهم أو مستواهم الاجتماعى والمادى، ونريد اليقين قويا فى قلوب شبابنا بأن لكل مجتهد نصيبا، وأن النجاح ممكن بالأخص والتفانى وليس بالواسطة أو بالرشوة أو بالحسب والنسب، باختصار العدالة الاجتماعية هى طوق النجاة لنا ومعبرنا إلى المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة