ذكرت لك بالأمس حكاية «عم توفيق» بائع الفول فى حى المطرية الذى تربيت فيه والذى تقلبت مشاعرى تجاهه من التعاطف التام كلما صادرت عربته «البلدية» إلى الإدانة التامة لإدراكى أهمية احترام الطريق، ثم إلى التصالح مع الوضع القائم على اعتبار أن كل شىء مباح فى العشوائية، وذكرت أيضا أن قضية «فتيات الهامبورجر» التى أثارت الرأى العام ذكرتنى بهذا الرجل الطيب الذى لم يملك من الأمر «أكاونت» ولا يعرف الطريق إلى «اليوتيوب» وليس لديه «حلاوة الطلة» التى تستدر التعاطف ولا موهبة «الاستعراض» أمام كاميرا الموبايل، فضاع «عم توفيق» بينما أصبحت فتيات الهامبورجر حديث الساعة وكل ساعة.
نعم أنا غاضب مما حدث فى هذه القضية برمتها، فلا يجوز للإعلام أن يتدخل فى هدم قوانين الراسخة التى تنظم الطرق والشوارع، ولا يجوز للإعلام أن يساند اعتداء العشوائية على الطريق العام خاصة الأحياء التى لم تلتهمها العشوائية بعد، ولا يجوز للدولة أن تتعامل بارتعاش مع كل كاميرا موبايل موصولة بحساب على الفيسبوك خاصة إن كان هناك شبهة افتعال أو وضوح لمحاولة لوى ذراع الدولة بكاميرا الموبايل، وإلا سنضطر بعد قليل إلى مواجهة ملايين المصريين الذين سيقفون فى الشارع ليبيعوا ويشتروا وهم محصنون بكاميرا الموبايل، وستتكرر فاجعة وسط البلد التى احتلها الباعة الجائلون بعد 25 يناير فى كل شبر من مصر، وسيتجه الشباب إلى استسهال احتلال الطريق العام فى أنشطة استهلاكية تضر أكثر مما تنفع، فلا صنعنا ولا زرعنا ولا صدَّرنا ولا ارتقينا.
نعم أنا غاضب مما حدث، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، ورب ضارة نافعة، فربما تساعد هذه القضية الدولة فى تنظيم عملية البيع والشراء فى الطرق بشكل قانونى يدر دخلا على الدولة ويوفر فرص عمل لآلاف الشباب، وأول ما يجب أن تنتبه إليه الدولة هو إلغاء فكرة منح تراخيص لعمل أكشاك فى الشوارع من قاموسنا إلى الأبد، فالذى يجب أن يحدث هو أن توفر الدولة مساحات مخصصة أو أكشاك جاهزة يتم استغلالها بعقود تجدد سنويا فى مزايدة معلنة، وأن يتم وضع تصميم «جمالى» يليق بالثوب الحضارى الذى نريد لمصر أن ترتديه، وأن نتعامل بعد ذلك مع أى مخالفة بصرامة وحزم.