مع اقتراب قانون الاستثمار من محطته الأخيرة.. عودة "المناطق الحرة الخاصة" جدل لا ينتهى.. "المالية" تعترض و"الاستثمار" تؤيد.. فهل يضمن البرلمان قواعد واضحة لمراقبتها وسد ثغرات التهريب والتجنب الضريبى؟

الثلاثاء، 02 مايو 2017 09:34 م
مع اقتراب قانون الاستثمار من محطته الأخيرة.. عودة "المناطق الحرة الخاصة" جدل لا ينتهى.. "المالية" تعترض و"الاستثمار" تؤيد.. فهل يضمن البرلمان قواعد واضحة لمراقبتها وسد ثغرات التهريب والتجنب الضريبى؟ المناطق الحرة
منى ضياء

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رغم وصول قانون الاستثمار لمحطته الأخيرة فى البرلمان، إلا أن الخلاف حول عودة المناطق الحرة الخاصة ظل دائرا بين وزارتى المالية والاستثمار، فالأولى ترى أنها بوابة للتهريب ويصعب الرقابة عليها، أما الثانية فترى أنها وسيلة هامة لجذب الاستثمار الأجنبى إلى مصر.

لكل من المؤيدين لعودة المناطق الحرة الخاصة أو الإبقاء على الوضع الحالى بوقف إنشاء مناطق خاصة جديدة رؤيته. ولكن حقيقة الأمر لا يتعلق بالمناطق الخاصة وحدها، ولكن المشكلة تطال المناطق الحرة العامة أيضا.

لا خلاف على أن التهريب هو أمر منتشر بكافة المنافذ الجمركية وليس المناطق الحرة فقط، ولكن المناطق الحرة سواء العامة أو الخاصة تحصل على مزايا وإعفاءات من الضرائب والجمارك لتحقيق ثلاثة أهداف معلنة وليس عليها خلاف أولها جلب العملة الصعبة من خلال التصدير للخارج باعتباره أساس عمل هذه الشركات، والثانى هو تشغيل العمالة المصرية، والثالث جذب الاستثمار الأجنبى. فهل حققت المناطق الحرة فى مصر هذه الأهداف؟

الواقع الذى كشفه تحقيق استقصائى أجراه اليوم السابع حول عمل المناطق الحرة فى مصر تم نشره فى شهر يناير الماضى، أثبت من خلال تحليل البيانات الرسمية لهيئة الاستثمار والبنك المركزى ودراسات علمية أجريت لتقييم التجربة على مدار سنوات مختلفة، أن أيا من هذه الأهداف لم يتحقق بالصورة المطلوبة، بل ويخسر الاقتصاد المصرى بمتوسط يقارب المليار دولار سنويا جراء عمل هذه المناطق، وهذه الخسارة لا تتعلق بعمليات التهريب، بل إنها فقط تمثل العجز فى الميزان التجارى الإجمالى للمناطق الحرة جراء اعتمادها على تسويق الجزء الأكبر من منتجاتها فى السوق المحلى وليس التصدير للخارج.

وإذا نظرنا إلى حجم الاستثمار الأجنبى فى المناطق الحرة وهو أحد أهم الأهداف التى أنشأت من أجله نجد أن حجم هذا الاستثمار تقلص كثيرا خلال العشرين عاما الماضية، وحل مكانه استثمارات مصرية بلغت نسبتها 82% من رؤوس الأموال المستثمرة بالمناطق الحرة عام 2015 بقيمة 9 مليارات دولار، مقابل 18% فقط استثمار أجنبى وعربى قيمته 2 مليار دولار فقط، مما يؤكد عدم جاذبية المناطق الحرة المصرية للاستثمار الأجنبى فى واقع الأمر، وهو ما أكدته كافة الدراسات العلمية التى أجريت بجهات مختلفة منها معهد التخطيط القومى، والبنك الأهلى المصرى، وجامعة عين شمس، وغيرها من الجهات البحثية التى ناقشت القضية على مدار السنوات الماضية.

أما بالنسبة للعمالة فلا يتعدى حجمها 0.7% من إجمالى حجم القوى العاملة فى مصر وهى نسبة ضئيلة مقارنة بمناطق حرة فى دول أخرى، ففى ماليزيا بلغت نسبة تشغيلهم 4% من إجمالى عدد المشتغلين هناك و10% فى جمهورية الدومينيكان، طبقا لدراسة حديثة أجريت فى نهاية 2016 بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حول المناطق الحرة.

مشكلات المناطق الحرة كما كشفها التحقيق لم تتوقف عند التهريب الذى أصبح معتادا فى المنافذ الجمركية وليس المناطق الحرة فقط، وإنما امتد لأن تصبح العديد من المناطق الحرة سواء العامة أو الخاصة ملاذات ضريبية لأصحابها، تستخدم فى تحويل الأرباح دون الخضوع للضرائب أو حتى الكشف عن طبيعة ميزانياتها التى لا تتمكن وزارة المالية من الاطلاع عليها بصورة دورية حسب تأكيدات مسئولو الوزارة وقت إجراء التحقيق، وبالتالى من الصعب للغاية كشف عمليات التلاعب التى تقوم بها مثل هذه الشركات بصورة "قانونية للغاية" بالاستفادة من الإعفاءات والمزايا التى يمنحها لها قانون الاستثمار.

هذا لا يعنى أن كافة شركات المناطق الحرة بهذه الصورة السيئة، فهناك نماذج ناجحة بالفعل داخل المناطق الحرة سواء العامة أو الخاصة وتسهم فى التصدير وجلب العملة الصعبة، ولكن الصورة الإجمالية لتأثير عمل هذه المناطق على الاقتصاد المصرى كان سالبا، وهو ما يتطلب إعادة النظر فى الضوابط التى تحكم منظومة عملها، فهناك العديد من الدول التى حققت فيها هذه المناطق نجاحات باهرة مثل "ماسان" فى كوريا الجنوبية، ولكن مثل هذه النماذج توجه منتجات المناطق الحرة للتصدير وليس السوق المحلى، وهو السبب الحقيقى وراء نجاحها.

ولأن الظروف الاقتصادية التى لم تمر بها مصر صعبة للغاية، وتحتاج مصر لجذب استثمارات أجنبية بكل الطرق الممكنة وتشغيل عمالة مصرية، كانت رؤية اللجنة الاقتصادية فى عودة العمل بالمناطق الحرة الخاصة مرة أخرى، ولكن يجب ألا يكون هذا "صكا برلمانيا" لفتح ثغرات جديدة للتهريب والتجنب الضريبى والإضرار بالاقتصاد القومى.

فإذا استقر مجلس النواب فى مناقشاته الدائرة على عودة العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة، والتى تختلف عن المناطق العامة فى صعوبة الرقابة عليها، فعلى المجلس أن يمكن وزارة المالية من إحكام الرقابة على هذه المناطق بنوعيها، ليس فقط من ناحية سد ثغرات التهريب الجمركى التى تأخذ أشكالا غير مسبوقة فى كثير من الأحيان، ولكن فى منع تحول مثل هذه المناطق إلى ملاذات للباحثين عن الربح السريع دون عائد حقيقى على الاقتصاد، ولا يقتصر الأمر على هيئة الاستثمار فقط، حتى تكون المسئولية مشتركة، ويحدث تعاون حقيقى بين الجهتين دون أن تظل الخلافات بينهما هى الوضع الدائم.

والأهم من ذلك هو التركيز على أن تحقق المناطق الحرة أهدافها الحقيقية التى سبق ذكرها بصورة فعالة ومراقبة ذلك بكل شركة على حدى سواء كانت منطقة عامة أو خاصة، وأن يقتصر منح تراخيص العمل بنظام المناطق الحرة على الشركات الجادة التى تقوم بنشاط إنتاجى حقيقى ذى عائد اقتصادى، حتى يتم تنقيتها تدريجيا ولا يتبقى سوى الشركات الجادة والمنتجة فقط.

وفيم يتعلق بهدف التصدير، فيجب ألا يكون تحديد نسبة التصدير لكل شركة على حدة بقرار من هيئة الاستثمار كما هو الوضع الحالى، لأن هذا يفتح الباب للأهواء الشخصية، وهناك شركات تعمل داخل المناطق الحرة غير ملزمة بنسبة محددة للتصدير طبقا لترخيصها، وهو الوضع الذى يجب تقنينه وحوكمته بصورة تضمن تحقيق الهدف منه وهو جلب العملة الصعبة، مع مراعاة الظروف العالمية التى قد تؤدى إلى إغلاق أسواق تصديرية أمام شركات مصرية، وهنا يستدعى تدخل الحكومة للمساعدة فى فتح أسواق تصديرية أمام شركات المناطق الحرة حتى لا يكون العبء واقعا على المستثمر وحده إذا كان جادا.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة