فى زمننا هذا، نرى الذين يحاولون أن يسيروا فى دروب السياسة، والانخراط فى مغبتها، يحاولون توظيفها لجمع المغانم من شهرة ومناصب عليا، وكأنهم يمارسون لعبة رياضية، أو يشاركون فى مظاهرة ويرددون شعارات منددة بالنظام، أو الحصول على عشرات الإعجابات والتعليقات والشير للبوستات الحماسية على صفحات السوشيال ميديا «فيس بوك، وتويتر».
سياسيو مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، يتدثرون بعباءة الزعامة، عبر العالم الافتراضى الوهمى «فيس بوك»، فى انفصال تام عن الواقع، ومخاطبة الناس من خلف الكيبوورد وفى غرفة مكيفة مرتديًا «البيجامة» وكأنه فى نزهة رياضية فى طريق ممهد، ودون إدراك حقيقى أن السياسى الباحث عن دور للزعامة، لابد له أن يهبط إلى أرض الواقع، ويقتحم مناطق الوباء متعرضًا لجراثيمها، وأن يغرز أقدامه فى الطين، ليشعر بما يشعر به الغلابة.
والزعيم السياسى، لقب، لا يمكن أن نطلقه على كل من هب ودب، فالزعيم يظهر وقت الشدة ويختفى وقت الرخاء، وليس العكس، وكما قال الكاتب العبقرى أحمد بهاء الدين فى توصيف «الزعيم»: «هو الذى لا يلمع نجمه إلا فى الظلام، فنحن لا يمكن أن نفهم دور غاندى، إلا إذا عرفنا أية هوة سحيقة كان شعب الهند مترديا فيها وأية أمراض اجتماعية واقتصادية وأخلاقية قاتلة كانت تنهش فى كيانه، حين تصدى غاندى للزعامة».وإذا أسقطنا هذا التوصيف على كل من محمد البرادعى، وتلميذه النجيب عصام حجى، على سبيل المثال لا الحصر، تجد أنهما أبعد ما يكونان عن أى صفة من صفات الزعامة، فالاثنان يقطنان العالم الافتراضى، ويخطبان فى الناس من وراء حجاب، فالبرادعى هرب وولى الدبر، تاركا سفينة الوطن تغرق فى بحيرة من الدماء والأزمات، وتتكالب ضدها دول وكيانات لتنهش فى جسدها، نهش الكلاب المسعورة، عقب فض اعتصام رابعة المسلح، مفضلا الاستمتاع بحياة مرفهة فى فيينا.
وسار على نفس النهج عصام حجى، الذى أدان فض «معسكر رابعة العدوية المسلح» والذى كان يمارس فيه كل أنواع الضلال والتضليل، وغرس الإرهاب وأفكار التكفير والتطرف على جدران ألباب المئات من الأبرياء والمغرر بهم، وتدريبهم على أعمال العنف والقتال، لمدة 47 يوما كاملة، دون أن يضع «حجى» فى اعتباره وهو يبحث عن الجلوس على مقعد رئاسة مصر، أن اعتصام رابعة ورم خبيث فى الجسد المصرى، يهدده بالفناء.ونسأل عبقرى زمانه وأوانه، عصام حجى، هل تقبل إذا فزت فى غفلة من الزمن، برئاسة مصر، أن يقام اعتصام على غرار معسكر «رابعة العدوية» يمثل دولة داخل الدولة ينال من هيبتها ويحط من قدرها ويشوه صورتها ويحشد لتقسيمها؟!
لا نحتاج إجابة من عصام حجى، فالرجل يسير على خطى أستاذه محمد البرادعى، بداية من الإقامة فى أوروبا، ومخاطبة المصريين عبر العالم الافتراضى، فيس بوك وتويتر، ولا يعرفان عن مصر سوى القاهرة والإسكندرية، وإذا سألتهما عن مراكز «دراو أو دشنا أو ساقلتة أو ههيا أو ببا أو بيلا أو البلينا أو بلبيس أو دار السلام أو الغنائم أو طامية»، أى المحافظات تتبع إداريا، فسيعجزان إلى حد الشلل عن الإجابة عن معرفتهما بأى مركز من المراكز المذكورة، من الأصل، فما البال بأسماء القرى والنجوع؟!
عصام حجى المشتاق والباحث عن رئاسة مصر، لديه تخيل عجيب عن حسم الانتخابات لصالحه، ليس بالطريقة التقليدية العادية المنتشرة فى كل دول العالم، وهو عبر أصوات الناخبين فى الصناديق، وإنما يرى حسمها، بعدد اللايكات والتعليقات والشير على صفحته على فيس بوك، والدليل ما كتبه بيده على صفحته الرسمية على فيس بوك خلال الساعات القليلة الماضية، ونصه: «من يومين كان فيه مذيع بيقول فى التليفزيون: «شوية العيال ديه شعبيتها إيه؟ إنتو ولا حاجة؟».. الولا حاجة ديه تتخطى بثلاثة أضعاف عدد التفاعلات صفحة الرئيس! فى حاجة غلط هى إيه مش عارف»!!
بالله عليكم، أعزائى القراء المحترمين، شخص يزعم أنه حاصل على درجات علمية فذة، ويعمل فى الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية، أو ما يطلق عليها اختصارا «وكالة ناسا» الفضائية، يدشن للوهم والخيال ويقيس شعبيته وحسمه للانتخابات بعدد اللايكات والتفاعل على صفحته، كيف له أن يدير مركز شباب؟!
أى عبث نعيشه ونحياه على يد الباحثين عن الزعامة عبر ممارسة رياضة التنس أو الإسكواش فى الأندية الشهيرة، والجلوس خلف الكيبوورد للتحدث مع عالم الخيال والوهم «فيس بوك وتويتر»؟!
وإذا كان عدد «الأصدقاء» على فيس بوك و«الفلورز» على تويتر والذين يمكن أن يتجاوز عددهم مئات الآلاف، يمكن أن يحسموا الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، كانت جميلة إسماعيل نجحت فى الفوز بعضوية البرلمان فى انتخابات مجلس الشعب 2012 أمام النائب محمد أبوحامد بدائرة قصر النيل، أو حسمت الفوز برئاسة حزب الدستور، إذا علمنا أن عدد الفلورز على حسابها الخاص على تويتر وصل إلى 3 ملايين متابع، و235 ألف متابع على صفحتها على فيس بوك.
ورغم كل هذه الأرقام فإن محمد أبوحامد سحقها سحقا، وفشلت فى الحصول على بضع مئات من أصوات الناخبين، فماذا فعلت لها الملايين الثلاث من المتابعين على تويتر، والـ235 ألف متابع على فيس بوك؟ وهل اللايكات والتعليقات والشير والريتويت كان لها أى تأثير فى ترجيح كفة المبجلة التويتراوية الشهيرة لحسم أى استحقاق انتخابى خاضته؟!
هناك فارق شاسع بين الخيال والواقع، ولا يمكن التعامل مع الخيال على أنه واقع، ماذا وإلا فتعالوا نتعامل مع السراب على أنه حقيقة، ولك الله يا مصر...!!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة