مع القرار الهام الذى اتخذه البنك المركزى المصرى، مساء أمس الأحد، برفع لجنة السياسة النقدية برئاسة طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، لأسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 200 نقطة أساس، أى بنسبة 2% من 14.75% لـ16.75% ومن 15.75% لـ17.75% على التوالى، وسعر الائتمان والخصم من 15.25% لـ17.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى من 15.25% لـ17.25%، تأتى أهمية تفسير القرار وانعكاساته على الاقتصاد والقطاع المصرى والرسائل التى يحملها القرار فى هذا التوقيت الهام والذى يشهد مستويات مرتفعة من التضخم.
عدة رسائل يحملها قرار البنك المركزى المصرى بشأن أسعار الفائدة، تتمثل فى نقاط محددة، وتشمل الرسالة الأولى، التحول التاريخى فى الهدف الرئيسى للبنك المركزى وآلية عمله، فى استهداف التضخم – ارتفاع أسعار السلع والخدمات - وهو الهدف الذى يبدأ فى التحقق لأول مرة فى تاريخ البنك المركزى المصرى والذى يؤمن استقلالية البنك المستقبلية، والتزامه باستهداف نسبة تضخم محددة، واستخدام أدواته فى ذلك دون تدخل من أى جهة، والحفاظ على مستويات منخفضة له على المدى القريب، حيث من المتوقع أن تنخفض مستويات الفائدة تدريجيًا خلال الشهور القليلة القادمة، إلى مستويات أقل كثيرًا من الحالية، بالتالى يتحمل البنك المركزى المصرى المسؤولية أمام المؤسسات الدولية والاستثمار وكافة الجهات الاقتصادية الأخرى، والحفاظ على ودائع القطاع العائلى، أى مصالح المواطن المصرى الذى تأثر بإجراءات الإصلاح الاقتصادى الحالية.
والرسالة الثانية التى يوجهها البنك المركزى المصرى بخطوة رفع أسعار الفائدة، إنه لا مساس بمبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبسعر الفائدة المحدد بـ5%، والذى نجحت البنوك بضخ أكثر من 101 مليار جنيه للمبادرة منذ إطلاقها قبل أكثر من عام، بهدف ينتهى خلال أقل من 3 سنوات بضخ 200 مليار جنيه تحت مظلة مؤسسة الرئاسة والتى تبنت تلك المبادرة.
والرسالة الثالثة التى يوجهها البنك المركزى بالقرار الهام، أنه لا مساس بسعر فائدة مبادرة التمويل العقارى لمحدودى ومتوسطى الدخل بسعرى الفائدة 7 و8%، وبالتالى الاستمرار فى دور البنوك فى خدمة الاقتصاد المصرى بالحفاظ على أسعار فائدة تناسب الشرائح الأقل دخلًا فى المجتمع.
والرسالة الرابعة، التى تؤكد عليها خطوة أسعار الفائدة، أنه من المتوقع أن تبقى البنوك العامة الكبرى – أبرزها البنك الأهلى المصرى وبنك مصر – على أسعار فائدة شهادات الادخار ذات عائد 16% و20 %، والتى سوف تستمر بنفس أسعار الفائدة الحالية وذلك للبيع للعملاء، حيث جذبت تلك الشهادات حصيلة تتجاوز الـ450 مليار جنيه خلال 6 أشهر.
والرسالة الخامسة تتضمن اجتماعات متتالية بالبنوك العاملة فى السوق المحلية على مدار الأيام القليلة القادمة، عن طريق لجان الأصول والخصوم المسماه بلجان "الألكو" بالبنوك لرفع الفائدة فقط على الأوعية الإدخارية الأخرى – حسابات التوفير بآجالها المختلفة والودائع بآجالها المتنوعة – وبالتالى يمثل ملاذا آمنًا لحماية أموال المودعين.
ومازالت مستويات التضخم السنوية تعكس نتيجة الإجراءات الهيكلية التى تم اتخاذها منذ نوفمبر 2016، حيث ارتفع التضخم مدفوعًا بارتفاع سعر الصرف وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، والتخفيض الذى تم فى دعم الوقود والكهرباء، والزيادات الجمركية على بعض السلع.
وعندما يلجأ البنك المركزى المصرى لرفع أسعار الفائدة فإن التأثير يكون جذب فوائض الأموال والمدخرات التى فى حوزة المواطنين، إلى الأوعية الادخارية بأنواعها المختلفة بالبنوك، وما يسهم فى تقليل حجم الكاش – النقدية – مع المواطنين وتقليل الطلب على السلع والخدمات وبالتالى انخفاض أسعارها أى خفض مستوى التضخم، الذى يعد هدفًا أصيلًا للبنك المركزى، إلى جانب رفع تكلفة اقتراض الحكومة من البنوك عند طريق أدوات الدين الحكومية – أذون وسندات الخزانة – ما يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة، ويرفع أيضًا من تكلفة اقتراض أصحاب الأعمال من الجهاز المصرفى، وبالتالى يقلل من التوسع الاستثمارى فى مصر، إلى جانب استهداف الحد من ظاهرة "الدولرة" – تعنى زيادة حيازات المواطنين للدولار كمخزن للقيمة فى ظل انخفاض القوة الشرائية للجنيه – فى ظل عمل البنك المركزى عن طريق إجراءات وقرارات كثيرة خلال الفترة الماضية لتعزيز الطلب والقوة الشرائية للجنيه المصرى عن طريق طرح شهادات وأوعية ادخارية بالعملة مرتفعة العائد لزيادة الطلب على العملة بفائدة 16 و20%.
وتعمل تلك الخطوة أيضًا على اجتذاب شريحة جديدة للتعامل مع القطاع المصرفى وتنمية الرقم الحالى الذى يبلغ نحو 10 ملايين مواطن، حيث يستهدف البنك المركزى والبنوك اجتذاب شريحة المواطنين، التى كانت لا تتعامل مع البنوك، وتشجيع ثقافة الادخار فى إطار ما يسمى مصرفيًا بـ"الشمول المالى" أى زيادة قاعدة المتعاملين مع البنوك، خاصة فى إطار أسبوع الشمول المالى الذى تشارك فيه كافة البنوك العاملة بمصر فى الوقت الحالى.
وكان البنك المركزى المصرى، قرر يوم الخميس 3 نوفمبر 2016، تحرير – تعويم - سعر صرف الجنيه المصرى وأن يتم التسعير وفقًا لآليات العرض والطلب، وإطلاق الحرية للبنوك العاملة النقد الأجنبى من خلال آلية الإنتربنك الدولارى.
ويلجأ المصريون فى أوقات التباطؤ الاقتصادى، وارتفاع معدلات التضخم التى وصلت الشهر الماضى إلى نحو 32%، إلى توظيف فوائض أموالهم فى ملاذات استثمارية آمنة ومربحة تحقق لهم عائدًا يمتص الآثار التضخمية – ارتفاع مستوى أسعار السلع والخدمات – وتعمل تلك الأوعية الاستثمارية على تنمية الموارد المالية عبر عدة وسائل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة