الإبقاء على الإرهاب يبدأ من خطأ تشخيصه، وضلال تعريفه، وخلط الأوراق فيما يتعلق بأطرافه، وحين يتحدث الرئيس الأمريكى ترامب عن الإرهاب بشكل عام فلابد أن نتوقف أمام ما يقوله، مثلما حدث منه أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية التى اختتمت أعمالها فى السعودية أول أمس.
كيف يمكن أن نصدق «ترامب» وهو يقول عن الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين بوصفها «معركة مع المجرمين الهمجيين الذين يسعون إلى محو الحياة الإنسانية، والقضاء على عقلاء جميع الأديان، وفى نفس الوقت نرى السياسة الأمريكية هى التى تؤدى إلى الإرهاب وتشجعه ثم ترعاه؟.
كيف يمكن تعريف ما يحدث فى سوريا فى ضوء ما قاله «ترامب»، وفى ضوء الممارسات الأمريكية على الأرض؟ وكيف يمكن تعريف التحولات التى تشهدها القضية الفلسطينية فى ضوء ما قاله ترامب وفى ضوء الممارسات الأمريكية على الأرض مع إسرائيل ونحو الفلسطينيين؟ وهل ما حدث ويحدث فى العراق لا تتحمل مسؤوليته أمريكا منذ حربها البغيضة ضد هذا البلد الذى احتلته وحولته إلى كيانات طائفية ومذهبية كريهة، بعد أن كان بلدا موحدا ولا تتوجه سياساته طبقا لتقسيمات بين شيعة وسنة وأكراد وتركمان وغيرهم؟
فيما يتعلق بسوريا، فإن التشخيص معروف، وأوله وآخره أن هناك تنظيمات إرهابية دخلت الأراضى السورية برعاية إقليمية وأمريكية، وحولت سوريا إلى الوضع الذى نراه الآن. كيف نصدق ترامب فى أنه يحارب الإرهاب، وفى نفس الوقت يسمح ويشجع ويمول التنظيمات الإرهابية طالما أن نظام بشار الأسد لم يسقط؟
نعرف أن جانبا مما يحدث فى سوريا هو صراع نفوذ بين أمريكا وروسيا، ونعرف أن الجانب الأهم يكمن فى تقوية إسرائيل بإضعاف دول الحدود مع فلسطين المحتلة، لكن علينا ألا نغفل قراءة المأساة السورية من أول مشهد فيها، وبالتحديد مشهد إعلان تنظيم داعش عن نفسه وسيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق، ثم جاءت تنظيمات إرهابية أخرى بعده، حتى أصبحت الأرض السورية مأوى لصنوف مختلفة لإرهابيين من كل بقاع الأرض، وتزامن ذلك مع فترة مد إخوانى فى المنطقة تجسد فى حكم مصر وتونس والسيطرة على ليبيا، فمن صنع هذا؟ ومن سمح به؟ ومن أعطاه المدد؟ ومن كان يفتح الأبواب لجماعة الإخوان، وتنظيمات الإرهاب المتحالفة معها؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تعنى ببساطة تسمية الأشياء بمسمياتها، وفى التسميات سنجد تورط تركيا وقطر ورعاية أمريكا، والأمر فى هذا لا يحتاج إلى دليل، وبناء على ذلك تقفز أسئلة:
كيف نصدق أن حربا ضد الإرهاب فيها هؤلاء؟
وكيف نصدق أن حربا ضد الإرهاب ستخلو من الأجندة الخاصة لهذا الأطراف؟
وبفرض أن الحشود احتشدت وحسمت، لا قدر الله، الحرب لصالح التنظيمات الإرهابية الموجودة فى سوريا الآن، فكيف سنرى سوريا؟
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فإن كل ما قاله ترامب بشأنها أمام القمة هو لصالح إسرائيل تماما، فحين يطالب بحل القضية على «أساس واقعى»، ونسيان الحل على «أساس أيدلوجى»، فهذا يعنى نسيان كل الحقوق الفلسطينية التاريخية، فلا حق لعودة اللاجئين، ولا حق تاريخى فى القدس، ولا حق فى إزالة المستوطنات، لأنها ببساطة من «الواقع» الموجود.
هكذا يخطط «ترامب» لمواجهة الإرهاب، لكن الأيام ستثبت أن خططه ستزيد من الإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة