لا يوجد وصف آخر غير وصف «حرامى» لكل من يستولى على أرض الدولة، هذا أمر يتطابق مع شرائع السماء والقوانين والدساتير وأى أعراف وتقاليد تنظم حياة الناس بالعدل والمساواة، تلك بديهيات لا تحتاج إلى جدل لإثباتها، وحقائق لا يمكن لى عنقها والتلاعب فيها.
من يستبيح المال العام هو لص، سواء تم ذلك بمد اليد إلى أموال الدولة دون وجه حق، أو التلاعب فى أوراق للتزوير من أجل الحصول على مكاسب، وتبقى عملية الاستيلاء على أراضى الدولة كاشفة وفاضحة لأوضاع سيئة وفاسدة عاشتها مصر لسنوات طويلة.
فى عملية الاستيلاء على أراضى الدولة سنجد صنوفا وألوانا وأوزانا مختلفة، هناك من استباح أراضى البحيرات وقام بتجفيف مساحات شاسعة واعتبرها من أملاكه، وهناك من تعدى على أراضى طرح النهر، وهناك من وضع يافطة على قطعة أرض فضاء داخل مدينة أو قرية يعلن فيها أن هذه الأرض ملكه، وبعضها يكون صحيحا وأخرى غير صحيحة.
هناك أنواع أخرى من الاستيلاء، تؤكد أننا كنا أمام عصابات متخصصة فى هذا المجال، عصابات تعرف دهاليز الوثائق، وكيفية استخلاص الأوراق، وحاصل كل ذلك يؤكد على أن مصر عاشت لسنوات فى ظل فوضى كاملة فى هذا الأمر، وإذا كان هناك شاهد على حجم هذا النوع من الفساد فلن يكون أكثر من التصريحات اليومية التى يذكرها المحافظون والمسؤولون عن حجم الأراضى التى تم إعادتها للدولة من سارقيها.
خذ مثلا، إعلان وزارة الزراعة، أمس الأول، أنها استردت حوالى مليون و138 ألفا و688 مترا من أراضى المبانى، و48 فدانا و20 قيراطا و7 أسهم من أراضى الإصلاح الزراعى، وفى المحافظات سنجد تصريحات من المحافظين عن استرداد آلاف الأفدنة، ففى محافظة البحيرة وحتى، أمس الأول، بلغت المساحة المستردة للدولة وحسب ما هو منشور ثلاثة آلاف و89 فدان، وفى بورسعيد تمكنت الأجهزة من استرداد 100 فدان و77 ألف متر بجنوب بورسعيد، واستعادة 9 آلاف فدان فى شرق بورسعيد، و3 آلاف فدان تابعة للهيئة الاقتصادية، و825 فدانا فى منطقة «سهل الطينة»، وفى محافظة الشرقية وكما هو معلن استردت الأجهزة آلاف الأفدنة، وحدث نفس الأمر فى المنوفية والقليوبية والإسكندرية، والإسماعيلية والسويس والجيزة والقاهرة ومحافظات الصعيد.
من المؤكد أن ما يحدث الآن من جهد لاستعادة هذه الأرض هو حدث طيب يعطى وجها حقيقياً لجدية محاربة الفساد، ويقفز خطوة نحو التأكيد على دولة القانون، لكن وبالرغم من كل هذا فإن أكثر ما يلفت النظر فى عموم هذه المسألة هو: أين كانت أجهزة الدولة من كل هذا فى السنوات السابقة؟ وماذا كانت تفعل المحافظات فى هذه القضية؟
الغريب مثلا أننا نستمع إلى محافظين يعلنون بكل ثقة أنهم اكتشفوا أفدنة ملك للدولة كانت ضائعة ولم يكن أحد يعرف عنها شيئا من قبل.
فهل هناك مأساة أكثر من ذلك؟ ألا يعد هذا وحده دليل إدانة، ألا يثبت هذا أن الأجهزة كانت تغط فى نوم عميق إما لصالح حيتان الفساد، أو للإهمال، ويندرج كل هذا تحت المثل: «المال السايب يعلم السرقة»؟!
آن الآوان أن تسترد الدولة حقوقها، لكن متى يتم حساب كل مسؤول تقاعس فى هذا الملف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة