زميلى الصحفى.. هل ترى هذا الوحش الهائل الذى يواجه مهنتنا ويأكل من أقواتنا، وربما يقضى علينا للأبد؟ أم أن انشغالنا بمعارك الصحافة والسلطة قد يعمينا عما هو أهم؟.
منذ ظهور الإنترنت فى مصر وانتشاره بهذا الشكل حتى صارت القاهرة السادسة على العالم فى الزمن الذى يقضيه المستخدم على الشبكة العنكبوتية، ونحن نتساءل عن مستقبل الصحافة الورقية، وهل ستنتهى ونكتفى بالمواقع.
فى رأيى، فإن تلك الأسئلة التى تنبهت لها دراسات الصحافة الاستشرافية منذ سنوات ليست وحدها معضلة الواقع، الذى يقول بوضوح إن مهنة الصحافة نفسها مهددة بفضل مواقع التواصل الاجتماعى التى صارت منصات للأخبار وحلت محلها فى أحيان كثيرة.
كمحررة لشئون الكنيسة، توقفت الكاتدرائية عن مخاطبتنا عبر الإيميل، بل أسس متحدثها الرسمى صفحة له على الفيس بوك ينشر خلالها البيانات الرسمية فتصل للقارئ فى نفس زمن وصولها إلىّ، فلماذا أنقلها له مع لوجو صحيفتى إذن؟ الإجابة لأننا مضطرون لذلك ولأنها وظيفتنا.
هل تقتصر وظيفتنا على نقل الخبر من على الفيس بوك إلى المواقع التى نعمل بها؟، إذا كانت تلك وظيفتنا الحديثة فهى مهنة مهينة تنال من قدرة الصحفى وذكائه، وذلك العقد الاجتماعى بينه وبين القراء، نحن مكلفون بنقل الخبر من مصادره وإلى قرائنا منذ أن ظهر الفن الصحفى، ولكن الحداثة نالت من وجاهة الخبر كسلعة لا يمكن الحصول عليها وصار الانفراد الصحفى عاديًا وليس مغريًا كما كان من قبل.
نحن فى عصر المعلومات والأخبار، حتى إن المواطنين الذين يجاوروننا فى المترو ووسائل المواصلات صاروا ينافسوننا فى سرعة نقل الحدث عبر حساباتهم على مواقع التواصل وهواتفهم الذكية، فماذا نفعل؟
أظن أن الاكتفاء بنقل الخبر من مصدره قد يضع الصحافة فى مأزق تعيشه شركات السياحة حاليًا، فالشركات كانت وحدها صاحبة الحق فى الحصول على الخصومات وحجز الفنادق والطيران، وبظهور مواقع تريب ادفيسور وبوكينج وغيرها زالت تلك القداسة وأصبح المستخدم يحدد خياراته بين آلاف الفنادق وفقا لإمكاناته وتفضيلاته، بل إنه يرى تقييمات من سبقوه للمكان نفسه فلماذا يدفع عمولة لشركة السياحة إذن؟، تماما مثلما سيتوقف القارئ عن تصفح مواقعنا إن كان لديه حساب على فيس بوك يستطيع من خلاله التعرف على ما يهمه من أخبار، وإن كان لتجميعها فى منصة واحدة فائدة أعظم.
ماذا علينا أن نفعل؟، أرى أن العصر القادم هو زمن التخصص، عصر ما بعد المعلومة وما وراء الخبر، عصر ينتصر للتحليلات الإخبارية ولتأريخ الأحداث وربطها والكشف عن أسبابها ودوافعها، وكلها مهام لا يمكن لصحفى ارتضى بدور الوسيط فى نقل الخبر أن يقوم بها.
لا أعنى بالتخصص التقسيم الدارج لصالات التحرير، ولمحررى الأخبار، فتلك القسمة معمول بها منذ سنوات، لكل منا ملفه فعلًا، ولكن ماذا فعلنا لترتبط أسمائنا بتلك الملفات؟، سيصبح على الصحفيين فى المستقبل بعد اتقان فنون الصحافة التقليدية والحديثة الانضمام لمعاهد وأكاديميات تدعم مجالات تخصصهم، فيكون على الالتحاق بكلية اللاهوت لفهم العقيدة المسيحية والكتابة عنها، ويكون على زميلى محرر الفن الالتحاق بأكاديمية الفنون للتعرف على آليات النقد الأدبي، ويصبح زميلى محرر الشئون السياسية مطالبا بالدراسة فى معاهد وأكاديميات السياسة لنستطيع أن نقدم ما لا يفهمه القارئ العادي، وما لا يستطيع أن يحاججنا فيه أحد.
عندها ستنتهى وظيفة الخبير الاستراتيجى التى أغرقت الفضائيات، سنصبح نحن الخبراء والباحثين والمحللين، أصحاب الرأى والكلمة والحل والعقد، كل هذا فى كفة، وإتقان فنون التصوير والفيديو والمونتاج فى كفة أخرى وهى التحديات التى تواجه الصحافة التليفزيونية بعدما صارت فيديوهات يوتيوب وسناب شات خصمًا صعبًا فى معركة جذب مشاهد يجلس أمام التلفزيون وهو يمسك هاتفه الذكى فلمن الغلبة اليوم؟
فى عصر السوق المفتوح والرأسمالية، المجد كل المجد للمهارات الفردية، هى من ستعيش وتواجه سياسات الاستهلاك والتسليع، سياسة حولت الصحافة من فن إلى سلعة، ومن موهبة إلى صناعة وانتصرت للمادة على حساب القيمة، إلا إننا ودائمًا نستطيع أن ننتصر للصحافة، حتى وإن كان للتكنولوجيا رأى آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة